الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإن أدرك المرسل الصيد حيا وجب عليه أن يذكيه ، وإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل ، وكذا البازي والسهم ) ; لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل ; إذ المقصود هو الإباحة ولم تثبت قبل موته فبطل حكم البدل ، وهذا إذا تمكن من ذبحه ، أما إذا وقع في يده ، ولم يتمكن من ذبحه وفيه من الحياة فوق ما يكون في المذبوح لم يؤكل في ظاهر الرواية .

                                                                                                        وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: أنه يحل ، وهو قول الشافعي رحمه الله : لأنه لم يقدر على الأصل فصار كما إذا رأى الماء ولم يقدر على الاستعمال ، ووجه الظاهر أنه قدر اعتبارا ; لأنه ثبت يده على المذبح ، وهو قائم مقام التمكن من الذبح ; إذ لا يمكن اعتباره ; لأنه لا بد له من مدة ، والناس يتفاوتون فيها على حسب تفاوتهم في الكياسة والهداية في أمر الذبح فأدير [ ص: 252 ] الحكم على ما ذكرناه ; بخلاف ما إذا بقي فيه من الحياة مثل ما يبقى في المذبوح ; لأنه ميت حكما ، ألا ترى أنه لو وقع في الماء وهو بهذه الحالة لم يحرم ، كما إذا وقع وهو ميت ، والميت ليس بمذبح ، وفصل بعضهم فيه تفصيلا ، وهو أنه إن لم يتمكن لفقد الآلة لم يؤكل ، وإن لم يتمكن لضيق الوقت لم يؤكل عندنا خلافا للشافعي رحمه الله ; لأنه إذا وقع في يده لم يبق صيدا فبطل حكم ذكاة الاضطرار ، وهذا إذا كان يتوهم بقاؤه ، أما إذا شق بطنه وأخرج ما فيه ثم وقع في يد صاحبه حل ; لأن ما بقي اضطراب المذبوح ، فلا يعتبر كما إذا وقعت شاة في الماء بعد ما ذبحت ، وقيل : هذا قولهما ، أما عند أبي حنيفة رحمه الله : فلا يؤكل أيضا ; لأنه وقع في يده حيا فلا يحل إلا بذكاة الاختيار ردا إلى المتردية على ما نذكره إن شاء الله تعالى ، هذا الذي ذكرناه إذا ترك التذكية ، فلو أنه ذكاه حل أكله عند أبي حنيفة رحمه الله ، وكذا المتردية والنطيحة والموقوذة والذي بقر الذئب بطنه وفيه حياة خفية أو بينة ، وعليه الفتوى لقوله تعالى: { إلا ما ذكيتم }استثناء مطلقا من غير فصل ، وعند أبي يوسف رحمه الله : إذا كان بحال لا يعيش مثله لا يحل ; لأنه لم يكن موته بالذبح ، وقال محمد رحمه الله : إن كان يعيش مثله فوق ما يعيش المذبوح يحل وإلا فلا ; لأنه لا معتبر بهذه الحياة على ما قررناه . قال : ( ولو أدركه ولم يأخذه فإن كان في وقت لو أخذه أمكنه ذبحه لم يؤكل ) ; لأنه صار في حكم المقدور عليه .

                                                                                                        قال : ( وإن كان لا يمكنه ذبحه أكل ) ; لأن اليد لم تثبت به والتمكن من الذبح لم يوجد . قال : ( وإن أدركه فذكاه حل له ) ; لأنه إن كانت فيه حياة مستقرة فالذكاة وقعت موقعها بالإجماع وإن لم يكن فيه حياة مستقرة ، فعند أبي حنيفة رحمه الله : ذكاته الذبح على ما ذكرناه وقد وجد وعندهما لا يحتاج إلى الذبح .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية