الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد ) لما بيناه ( ولا يؤكل العضو ) وقال الشافعي رحمه الله : أكلا إن مات الصيد منه ; لأنه مبان بذكاة الاضطرار ، فيحل المبان والمبان منه كما إذا أبين الرأس بذكاة الاختيار بخلاف ما إذا لم يمت ; لأنه ما أبين بالذكاة ، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { ما أبين من الحي فهو ميت }" ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما ، والعضو المبان بهذه الصفة ; لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة فيه ، وكذا حكما ; لأنه تتوهم سلامته بعد هذه الجراحة ، ولهذا اعتبره الشرع حيا حتى لو وقع في الماء [ ص: 262 ] وفيه حياة بهذه الصفة يحرم ، وقوله أبين بالذكاة ، قلنا : حال وقوعه لم يقع ذكاة لبقاء الروح في الباقي ، وعند زواله لا يظهر في المبان لعدم الحياة فيه ولا تبعية لزوالها بالانفصال فصار هذا الحرف هو الأصل ; لأن المبان من الحي حقيقة وحكما لا يحل ، والمبان من الحي صورة لا حكما يحل وذلك بأن يبقى في المبان منه حياة بقدر ما يكون في المذبوح ، فإنه حياة صورة لا حكما ولهذا لو وقع في الماء وبه هذا القدر من الحياة أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم فتخرج عليه المسائل فنقول إذا قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس يحرم المبان ويحل المبان منه ; لأنه يتوهم بقاء الحياة في الباقي ( ولو قده بنصفين أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي العجز ، أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه : يحل المبان والمبان منه ) ; لأن المبان منه حي صورة لا حكما إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح ، والحديث وإن تناول السمك وما أبين منه فهو ميت إلا أن ميتته حلال بالحديث الذي رويناه

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السادس : { قال عليه السلام : ما أبين من الحي ، فهو ميت }" ; قلت : أخرجه أبو داود ، والترمذي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما قطع من البهيمة ، وهي حية فهو [ ص: 262 ] ميتة }انتهى .

                                                                                                        لأبي داود ، ولفظ الترمذي أتم ، ثم قال : { قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وهم يجبون أسنمة الإبل ، ويقطعون أليات الغنم ، فقال عليه السلام : ما قطع من البهيمة ، وهي حية فهو ميتة }انتهى

                                                                                                        وقال : حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث [ ص: 263 ] زيد بن أسلم انتهى . ورواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه ، والدارمي ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " ، والطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه في آخر الضحايا " ، والحاكم في " المستدرك في الذبائح " ، وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه انتهى . وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، قال ابن معين : ضعيف ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به .

                                                                                                        وأما حديث ابن عمر : فأخرجه ابن ماجه في " سننه " حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب عن معن بن عيسى عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر مرفوعا : { ما قطع من البهيمة وهي حية ، فهو ميتة }انتهى .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " حدثنا حميد بن الربيع ثنا معن بن عيسى به ، وكذلك رواه الدارقطني في " سننه " ، والحاكم في : المستدرك " ، وسكت عنه ، قال البزار : لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه انتهى

                                                                                                        قلت : رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا محمود بن علي المروزي ثنا يحيى بن المغيرة ثنا ابن نافع عن عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا ، نحوه .

                                                                                                        وأما حديث الخدري : فأخرجه الحاكم في " المستدرك " عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قطع أليات الغنم ، وجب أسنمة الإبل ، فقال : ما قطع من حي فهو ميت }انتهى

                                                                                                        وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، انتهى . وأخرجه أيضا عن [ ص: 264 ] المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم به ، وسكت عنه ، وبهذا الإسناد رواه البزار في " مسنده " ، وقال : هكذا رواه المسور بن الصلت مسندا ، وخالفه سليمان بن بلال ، فأرسله عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أبا سعيد ، ولا نعلم أحدا قال فيه : عن أبي سعيد إلا المسور بن الصلت ، وليس بالحافظ انتهى

                                                                                                        وفيه نظر من وجهين : أحدهما : أن سليمان بن بلال أسنده عن أبي سعيد ، كما تقدم عند الحاكم ، ولم أجده مرسلا ، إلا في " مصنف عبد الرزاق " أخرجه في " كتاب الحج " حدثنا معمر عن زيد بن أسلم ، قال : كان أهل الجاهلية يجبون الأسنمة ، فقال عليه السلام ، الحديث ، حدثنا ابن مجاهد عن أبيه مجاهد ، قال كان أهل الجاهلية يقطعون أليات الغنم ، وأسنمة الإبل ، فذكره ; الثاني : قوله : لا نعلم أحدا قال فيه : عن أبي سعيد إلا المسور ، فقد تابع المسور عليه سليمان بن هلال ، كما تقدم ، وتابعه أيضا خارجة بن مصعب ، كما أخرجه الحافظ أبو نعيم في " الحلية في ترجمة يوسف بن أسباط عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل شيء قطع من الحي فهو ميت } ، انتهى

                                                                                                        وقال : تفرد به خارجة فيما أعلم انتهى

                                                                                                        ورواه كذلك ابن عدي في " الكامل " ، وضعف خارجة عن البخاري ، والنسائي ، وأحمد ، وابن معين ، ومشاه ، فقال : يكتب حديثه ، فإنه يغلط ، ولا يعتمد انتهى

                                                                                                        قال البزار : وهذا حديث قد اختلف فيه على زيد بن أسلم ، فقال : عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال : المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال : سليمان بن بلال عن زيد عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، والمسور لين الحديث ، وقد روى عنه جماعة من أهل العلم ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، فليس بالقوي في الحديث ، انتهى .

                                                                                                        وأما حديث تميم الداري : فأخرجه الطبراني في " معجمه " عن سفيان عن أبي بكر الهذلي عن شهر بن حوشب عن تميم الداري ، { قيل : يا رسول الله إن ناسا يجبون أليات الغنم ، وهي أحياء ، قال : ما أخذ من البهيمة وهي حية ، فهو ميتة }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وابن الهذلي ، واسمه : سلم بن عبد الله ، ولم يضعفه عن أحد .




                                                                                                        الخدمات العلمية