[ ص: 461 ] باب القسامة
قال : ( وإذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ) وقال الشافعي رحمه الله : إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ . وقال مالك : يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد ، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله ، واللوث عندهما أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه وإن لم يكن الظاهر شاهدا له فمذهبه مثل مذهبنا غير أنه لا يكرر اليمين [ ص: 462 ] بل يردها على الولي فإن حلفوا لا دية عليهم . للشافعي رحمه الله في البداءة بيمين الولي قوله عليه الصلاة والسلام للأولياء : { فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه }ولأن اليمين تجب على من يشهد له الظاهر ولهذا تجب على صاحب [ ص: 463 ] اليد ، فإذا كان الظاهر شاهدا للولي يبدأ بيمينه ، ورد اليمين إلى المدعي أصل له كما في النكول غير أن هذه دلالة فيها نوع شبهة والقصاص لا يجامعها ، والمال يجب معها فلهذا وجبت . الدية .
ولنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم : { البينة على المدعي واليمين على من أنكر }وفي رواية { على المدعى عليه }.
وروى سعيد بن المسيب رضي الله عنه { أن النبي عليه الصلاة والسلام : بدأ باليهود بالقسامة وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم } ، ولأن اليمين حجة للدفع دون الاستحقاق وحاجة الولي إلى الاستحقاق ولهذا لا يستحق بيمينه المال المبتذل فأولى أن لا يستحق به النفس المحترمة وقوله يتخيرهم الولي [ ص: 464 ] إشارة إلى أن خيار تعيين الخمسين إلى الولي لأن اليمين حقه والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل أو يختار صالحي أهل المحلة لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز فيظهر القاتل ، وفائدة اليمين النكول فإن كانوا لا يباشرون ويعلمون يفيد [ ص: 465 ] يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يفيد يمين الطالح ، ولو اختاروا أعمى أو محدودا في قذف جاز لأنه يمين وليس بشهادة . [ ص: 466 ] قال : ( وإذا حلفوا قضي على أهل المحلة بالدية ولا يستحلف الولي ) وقال الشافعي رحمه الله : لا تجب الدية ، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن سهل : { تبرئكم اليهود بأيمانها }ولأن اليمين عهد في الشرع مبرئا للمدعى عليه لا ملزما كما في سائر الدعاوى ولنا { أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الدية والقسامة }في حديث ابن سهل ، وفي حديث زياد بن أبي مريم . [ ص: 467 ] وكذا جمع عمر رضي الله عنه بينهما على وادعة ، وقوله عليه الصلاة والسلام { : تبرئكم اليهود }محمول على الإبراء عن القصاص والحبس ، وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين ، والقسامة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة فيقروا بالقتل ، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم أو وجبت بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطإ
[ ص: 460 - 461 ]


