الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 528 - 530 ] قال : ( ومن أوصى لأصهاره فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها }وكانوا يسمون أصهار النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيدة رحمهما الله ، وكذا يدخل فيه كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه لأن الكل أصهار ، ولو مات الموصي والمرأة في نكاحه أو في عدته من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية ، وإن كانت في عدة من طلاق بائن لا يستحقها لأن بقاء الصهرية ببقاء النكاح وهو شرط عند الموت .

                                                                                                        [ ص: 530 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 530 ] الحديث الثالث : روي { أنه عليه السلام لما تزوج صفية أعتق كل ذي رحم محرم منها ، إكراما لها ، وكانوا يسمون أصهار النبي صلى الله عليه وسلم }; قلت : هكذا في الكتاب : صفية ، [ ص: 531 ] وهو وهم ، وصوابه جويرية ، أخرجه أبو داود في سننه " في العتاق " عن محمد بن إسحاق [ ص: 532 ] عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة ، { قالت : وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق [ ص: 533 ] في سهم ثابت بن قيس بن شماس ، أو ابن عم له ، [ ص: 534 ] لفظ الواقدي بالواو وابن عم له ، قالت : فتخلصني ثابت من ابن عمه بنخلات [ ص: 535 ] بالمدينة ، ثم كاتبني ثابت على ما لا طاقة لي به ، فأعني الحديث رجع إلى رواية ابن إسحاق [ ص: 536 ] فكاتبت على نفسها ، وكانت امرأة ملاحة ، تأخذ العين ، قالت عائشة : [ ص: 537 ] فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها ، فلما قامت على الباب رأيتها ، فكرهت [ ص: 538 ] مكانها ، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها سبيل الذي رأيت ، فقالت : يا رسول [ ص: 539 ] الله أنا جويرية بنت الحارث ، وقد كان من أمري ما لا يخفى عليك ، وإني وقعت في [ ص: 540 ] سهم ثابت بن قيس بن شماس ، وإني كاتبت على نفسي ، فجئت أسألك في كتابتي ، [ ص: 541 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهل لك إلى ما هو خير منه ؟ قالت : يا رسول الله ، وما هو ؟ قال : [ ص: 542 ] أؤدي عنك كتابتك ، وأتزوجك ؟ قالت : نعم يا رسول الله ، قالت : قد فعلت ، قالت [ ص: 543 ] فتسامع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية ، فأرسلوا ما بأيديهم يعني من [ ص: 544 ] السبي فأعتقوهم ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فما رأينا امرأة كانت [ ص: 545 ] أعظم بركة على قومها منها . أعتق في سبيلها مائة أهل بيت من بني المصطلق } ، انتهى . [ ص: 546 ] ورواه أحمد ، وابن راهويه ، والبزار في " مسانيدهم " ومن طريق ابن راهويه رواه [ ص: 547 ] ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي عشر ، من القسم الرابع ، وله طريق آخر عند [ ص: 548 ] الحاكم في " المستدرك في الفضائل " رواه من طريق الواقدي ، ولفظ الواقدي في [ ص: 549 ] " المغازي " حدثنا يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن ابن ثوبان عن عائشة ، فذكره [ ص: 550 ] يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان { عن عائشة ، قالت : أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق ، فأخرج الخمس عنه ، ثم قسمه بين الناس ، فأعطى الفارس سهمين ، والراجل سهما ، فوقعت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في قسم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري ، وكانت تحت ابن عم لها ، يقال له : صفوان بن مالك بن جذيمة ، فقتل عنها ، فكاتبها ثابت بن قيس على نفسها ، على تسع أوراق من ذهب ، وكانت امرأة حلوة ، لا يكاد يراها أحد إلا أخذت نفسه ، قالت : فبينا النبي صلى الله عليه وسلم عندي إذ دخلت جويرية تسأله في كتابتها ، فكرهت دخولها ، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت ، فقالت : يا رسول الله أنا امرأة مسلمة ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وأنا جويرية بنت الحارث ، سيد قومه ، وقد أصابني من الأمر ما قد علمت ، فوقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبني على ما لا طاقة لي به ، وما أكرهني على ذلك إلا أني رجوتك صلى الله عليك ، فأعني في فكاكي ، فقال : أوخير من ذلك ؟ قالت : ما هو ؟ قال : أؤدي عنك كتابتك ، وأتزوجك . قالت : نعم يا رسول الله ، قالت : قد فعلت ، فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليها من كتابتها ، وتزوجها ، وخرج ، فخرج الخبر إلى الناس ، فقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون ؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق ، فبلغوا مائة أهل بيت ، قالت : فلا أعلم امرأة كانت على قومها أعظم بركة منها }انتهى . هكذا رواه الواقدي في " كتاب المغازي " ، والحاكم نقص منه التاريخ ، وزاد فيه قوله : وذلك منصرفه من غزوة المريسيع ، وزاد فيه من طريق أخرى : وكان الحارث بن أبي ضرار رأس بني المصطلق ، وسيدهم وكانت ابنته جويرية اسمها برة ، فسماها عليه السلام جويرية ، [ ص: 551 ] لأنه كان يكره أن يقال : خرج من بيت برة ، ويقال { : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق ، ويقال : جعل صداقها عتق أربعين من قومها }انتهى .

                                                                                                        وسكت عنه ، ورواه ابن هشام في " سيرته في غزوة بني المصطلق " ، من طريق ابن إسحاق بسند أبي داود ومتنه ، سواء ، قال البخاري في " كتابه المفرد في القراءة خلف الإمام " : رأيت علي بن عبد الله يحتج بحديث ابن إسحاق ، وقال : علي عن ابن عيينة ما رأيت أحدا يتهم محمد بن إسحاق ، وقال لي إبراهيم بن المنذر : حدثنا عمر بن عثمان أن الزهري كان يتلقف المغازي من ابن إسحاق ، فيما يحدثه عن عاصم بن عمر بن قتادة ، والذي يذكر عن مالك في ابن إسحاق لا يكاد يتبين . وكان إسماعيل بن أبي أويس يقول : أخرج إلي مالك كتب ابن إسحاق عن أبيه في المغازي ، وغيرها . فانتخبت منها كثيرا ، وقال لي إبراهيم بن حمزة : كان عند إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام ، سوى المغازي ، وكان إبراهيم بن سعد من أكثر أهل المدينة حديثا في زمانه ، ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق . فلربما تكلم الإنسان فيرمي صاحبه بشيء واحد ، ولا يتهمه في الأمور كلها ، وقال إبراهيم بن المنذري عن محمد بن فليح : نهاني مالك عن شيخين من قريش ، وقد أكثر عنهما في " الموطإ " ، وهما من يحتج بهما ، ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس ، وذلك نحو ما يذكر عن إبراهيم في كلامه في الشعبي ، وكلام الشعبي في عكرمة ، وكذلك من كان قبلهم ، ولم يلتفت أهل العلم إلى ذلك ، ولا سقطت عدالة أحد إلا ببرهان ثابت ، وحجة ، وقال عبيد بن يعيش : حدثنا يونس بن بكير ، قال : سمعت شعبة يقول : محمد بن إسحاق أمير المحدثين لحفظه ، وروى عنه الثوري ، وابن إدريس ، وحماد بن زيد ، ويزيد بن زريع ، وابن علية ، وعبد الوارث ، وابن المبارك ; واحتمله أحمد ، ويحيى بن معين ، وعامة أهل العلم ، وقال لي علي بن عبد الله : نظرت كتاب ابن إسحاق ، فما وجدت عليه إلا في حديثين ، ويمكن أن يكونا صحيحين ، وما ذكر عن هشام بن عروة أنه قال : كيف يدخل محمد بن إسحاق على امرأتي ؟ إن صح ذلك عنه ، فجائز أن تكتب إليه ، فإن أهل المدينة يرون الكتاب جائزا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم { كتب لأمير السرية كتابا ، وقال له : لا تقرأ حتى تبلغ مكان كذا ، فلما [ ص: 552 ] بلغ فتح الكتاب ، وقرأه ، وعمل بما فيه ، وكذلك الخلفاء ، والأئمة ، يقضون بكتاب بعضهم إلى بعض ، }وجائز أيضا أن يكون سمع منها ، وهي من وراء حجاب ، وهشام لم يشهد ، انتهى كلامه بحروفه .




                                                                                                        الخدمات العلمية