الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وما جبي من الخراج فهو لجميع المسلمين يعطي الإمام منه أعطية المقاتلة وفي نوائب المسلمين . والحاصل أن ما يجبى إلى بيت المال أنواع أربع أحدها الخمس ومصرفه ما قال الله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية قال عطاء بن أبي رباح سهم الله وسهم الرسول واحد . وقال قتادة : ذكر اسم الله تعالى لافتتاح الكلام فكان الخمس يقسم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة ، ثم سقط سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته عندنا . وقال الشافعي رحمه الله تعالى : هو مصروف إلى كل خليفة بعده ; لأنهم نائبون منا به محتاجون إلى ما كان محتاجا إليه من جوائز الوفود والرسل .

( ولنا ) أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين ما رفعوا هذا السهم لأنفسهم وكان لرسول [ ص: 18 ] الله صلى الله عليه وسلم بسبب النبوة ولم ينتقل ذلك إلى أحد بعده فهو نظير الصفي الذي كان يصطفيه لنفسه وكذلك سهم ذوي القربى بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا . وبيانه في كتاب السير وبقي المصرف لليتامى والمساكين وابن السبيل . وجاء في الحديث أن الخلفاء الراشدين قسموا الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأبناء السبيل . والنوع الثاني الصدقات والعشور وقد بينا مصارفها . والنوع الثالث الخراج والجزية وما يؤخذ من صدقات بني تغلب وما يأخذ العاشر من أهل الذمة ومن أهل الحرب إذا مروا عليه فهذا النوع مصروف إلى نوائب المسلمين .

ومنها إعطاء المقاتلة كفايتهم وكفاية عيالهم ; لأنهم فرغوا أنفسهم للجهاد ودفع شر المشركين عن المسلمين فيعطون الكفاية من أموالهم ومن هذا النوع إيجاد الكراع والأسلحة وسد الثغور وإصلاح القناطر والجسور وسد البثق وكري الأنهار العظام . ومنه أرزاق القضاة والمفتين والمحتسبين والمعلمين وكل من فرغ نفسه للعمل من أعمال المسلمين على وجه الحسبة فكفايته في هذا النوع من المال . والنوع الرابع تركة من لا وارث له من المسلمين ، أو من يرثه الزوج ، أو الزوجة فقط فإن الباقي مصروف إلى بيت المال ، وما يوجد من اللقطة إذا لم يعرفها أحد فهو موضوع في هذا النوع من بيت المال ومصروف هذا النوع نفقة اللقيط وتكفين من يموت من المسلمين ، ولا مال له ، وهو معنى قول محمد رحمه الله تعالى فعلى الإمام أن يتقي الله في صرف الأموال إلى المصارف فلا يدع فقيرا إلا أعطاه حقه من الصدقات حتى يغنيه وعياله وإن احتاج بعض المسلمين ، وليس في بيت المال من الصدقات شيء أعطى الإمام ما يحتاجون إليه من بيت مال الخراج ، ولا يكون ذلك دينا على بيت مال الصدقة لما بينا أن الخراج وما في معناه يصرف إلى حاجة المسلمين بخلاف ما إذا احتاج الإمام إلى إعطاء المقاتلة ، ولا مال في بيت مال الخراج صرف ذلك من بيت مال الصدقة وكان دينا على بيت مال الخراج ; لأن الصدقة حق الفقراء والمساكين فإذا صرف الإمام منها إلى غير ذلك للحاجة كان ذلك دينا لهم على ما هو حق المصروف إليهم ، وهو مال الخراج .

التالي السابق


الخدمات العلمية