الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              730 باب افتتاح الصلاة

                                                              54 \ 698 - وعن محمد بن عمر بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم أبو قتادة، قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالوا فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة، ولا أقدمنا له صحبة. قال: بلى قالوا: فاعرض. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه، حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم كبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا، ثم يقرأ، ثم يكبر، فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل، فلا يصب رأسه، ولا يقنع، ثم يرفع رأسه، فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه، حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليها، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع، ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه. ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم: أخر رجله اليسرى، وقعد متوركا على شقه الأيسر، قالوا: صدقت، هكذا كان يصلي صلى الله عليه وسلم .

                                                              وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا .

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: حديث أبي حميد هذا حديث صحيح، متلقى بالقبول، لا علة له. وقد أعله قوم بما برأه الله، وأئمة الحديث منه. ونحن نذكر [ ص: 188 ] ما عللوه به، ثم نبين فساد تعليلهم وبطلانه بعون الله.

                                                              قال ابن القطان في كتابه "الوهم والإيهام": "هذا الحديث من رواية عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو، وهو صدوق، وثقه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين. وأخرج له مسلم. وضعفه يحيى بن سعيد في رواية عنه. وكان الثوري يجد عليه من أجل القدر. فيحب التثبت فيما روى من قوله: "فيهم أبو قتادة"، فإن أبا قتادة توفي في زمن علي، وصلى عليه علي. وهو ممن قتل معه، وسن محمد بن عمرو مقصرة عن إدراك ذلك".

                                                              قال: "وقيل في وفاة أبي قتادة غير ذلك; أنه توفي سنة أربع وخمسين، وليس بصحيح، بل الصحيح ما ذكرناه. وقتل علي سنة أربعين، ذكر هذا التعليل أبو جعفر الطحاوي. قال الطحاوي: والذي زاده محمد بن عمرو غير معروف ولا متصل؛ لأن في حديثه أنه حضر أبا حميد وأبا قتادة، ووفاة أبي قتادة قبل ذلك بدهر طويل؛ لأنه قتل مع علي وصلى عليه. فأين سن محمد بن عمرو من هذا؟ قال الطحاوي: وعبد الحميد بن جعفر ضعيف" .

                                                              قال ابن القطان: "ويزيد هذا المعنى تأكيدا: أن عطاف بن خالد روى هذا الحديث فقال: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، حدثنا رجل: أنه وجد [ ص: 189 ] عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلوسا" فذكر نحو حديث أبي عاصم .

                                                              وعطاف بن خالد مدني ليس بدون عبد الحميد بن جعفر، وإن كان البخاري حكى أن مالكا لم يحمده، قال: وذلك لا يضره؛ لأن ذلك غير مفسر من مالك بأمر يجب لأجله ترك روايته".

                                                              قال: "وقد اعترض الطبراني على مالك في ذلك بما ذكرناه من عدم تفسير الجرح [و] بأمر آخر لا نراه صوابا، وهو أن قال: وحتى لو كان مالك قد فسر، لم يجب أن يترك بتجريحه رواية عطاف، حتى يكون معه مجرح آخر. قال ابن القطان: وإنما لم نره صوابا لوجهين.

                                                              أحدهما: أن هذا المذهب ليس بصحيح، بل إذا جرح واحد بما هو جرحة قبل، فإنه نقل منه لحال سيئة تسقط بها العدالة، ولا يحتاج في النقل إلى تعدد الرواة.

                                                              والوجه الثاني: أن ابن مهدي أيضا لم يرض عطافا، لكن لم يفسر بماذا لم يرضه، فلو قبلنا قوله فيه قلدناه في رأي لا في رواية.

                                                              وغير مالك وابن مهدي يوثقه. قال أبو طالب عن أحمد: هو من أهل المدينة، ثقة صحيح الحديث، روى نحو مائة حديث. وقال ابن معين: صالح الحديث، ليس به بأس. وقد قال ابن معين: من قلت "ليس به بأس"، فهو عندي ثقة. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ليس بذاك. قال ابن القطان: ولعله أحسن حالا من عبد الحميد بن جعفر، وهو قد بين أن بين محمد بن عمرو وبين أولئك الصحابة رجلا. قال: ولو كان هذا عندي [ ص: 190 ] محتاجا إليه في هذا الحديث للقضاء بانقطاعه لكتبته في الدرك الذي قد فرغت منه، ولكنه غير محتاج إليه للمقرر من تاريخ وفاة أبي قتادة، وتقاصر سن محمد بن عمرو عن إدراك حياته رجلا. فإنما جاءت رواية عطاف عاضدة لما قد صح وفرغ منه".

                                                              قال: "وقد رواه عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمر فقال فيه: عن عياش أو عباس بن سهل الساعدي: "أنه كان في مجلس فيه أبو قتادة، وأبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد" ولم يذكر فيه من الفرق بين الجلوسين ما ذكره عبد الحميد بن جعفر. ذكره أبو داود. وقد رواه البخاري في "صحيحه": حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، سمع يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد، سمعا محمد بن عمرو بن حلحلة، سمع محمد بن عمرو بن عطاء: أنه كان جالسا في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رأيته إذا كبر فذكر الحديث .

                                                              وهذا لا ذكر فيه لأبي قتادة ولكن ليس فيه ذكر لسماعه من أبي حميد وإن كان ذلك ظاهره».




                                                              الخدمات العلمية