الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويصح ) التكليف ( به ) أي بالفعل ( حقيقة ) أي على الحقيقة لا المجاز ( قبل حدوثه ) أي الفعل . قال الآمدي : اتفق الناس على جواز التكليف بالفعل قبل حدوثه ، سوى شذوذ من أصحابنا . قال ابن عقيل : إذا [ ص: 155 ] تقدم الأمر على الفعل كان أمرا عندنا على الحقيقة . قال القاضي عبد الوهاب المالكي : نقل الأكثرون أنه حقيقة . نقله ابن قاضي الجبل . وقيل : أمر إعلام وإيذان لا حقيقة ، وضعفه إمام الحرمين في البرهان بعد أن نقله عن أصحاب الأشعري بما معناه : أنه يلزم تحصيل الحاصل ، وأنه لا يرتضيه لنفسه عاقل . وقال قوم ، منهم الإمام الرازي : لا يتوجه الأمر بأن يتعلق بالفعل إلزاما إلا عند المباشرة له . وذكر بعضهم : أن هذا القول هو التحقيق ، إذ لا قدرة عليه إلا حينئذ .

وما قيل : من أنه يلزم عدم العصيان بتركه ؟ . فجوابه : أن الملام قبل المباشرة على التلبس بالكف عن الفعل المنهي ذلك الكف عنه . وهذا جواب عن سؤال مقدر على هذا القول الأخير . تقديره : أن القول به يؤدي إلى سلب التكاليف . فإنه يقول : لا أفعل حتى أكلف . والفرض أنه لا يكلف حتى يفعل . وجوابه : أنه قبل المباشرة متلبس بالترك ، وهو فعل فإن كف النفس عن الفعل فقد باشر الترك .

فتوجه إليه التكليف بترك الترك حالة مباشرته للترك . وذلك بالفعل وصار الملام على ذلك . وهذا جواب نفيس أشار إليه أبو المعالي في مسألة تكليف ما لا يطاق ( ولا ينقطع ) التكليف ( به ) أي بحدوث الفعل عند الأشعري والأكثر ; لأن الفعل في هذه الحالة مقدور للمكلف ، وكل مقدور يجوز التكليف به ، والتكليف هنا تعلق بمجموع الفعل من حيث هو مجموع ، لا بأول جزء منه .

فلا ينقطع التكليف إلا بتمام الفعل ، ويكون التكليف بإيجاد ما لم يوجد منه لا بإيجاد ما قد وجد ، فلا تكليف بإيجاد موجود فلا محال . واختلف العلماء في صحة الأمر بالفعل الموجود ، والأصح عدمها . قال المجد في المسودة ، وتبعه ابن مفلح : لا يصح الأمر بالموجود عند أصحابنا والجمهور . انتهى . لكن لا ينقطع التكليف إلا بتمام الفعل كما تقدم

التالي السابق


الخدمات العلمية