الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر استيلاء عضد الدولة على ملك بني حمدان

لما انهزم أبو تغلب وبختيار سار عضد الدولة نحو الموصل ، فملكها ثاني عشرة ذي القعدة ، وما يتصل بها ، وظن أبو تغلب أنه كما كان غيره يفعل ، يقيم يسيرا ، ثم يضطر إلى المصالحة ، ويعود .

وكان عضد الدولة أحزم من ذلك ، فإنه لما قصد الموصل حمل معه الميرة والعلوفات ، ومن يعرف ولاية الموصل وأعمالها ، وأقام بالموصل مطمئنا ، وبث السرايا في طلب أبي تغلب ، فأرسل أبو تغلب يطلب أن يضمن البلاد ، فلم يجبه عضد الدولة إلى ذلك ، وقال : هذه البلاد أحب إلي من العراق .

وكان مع أبي تغلب المرزبان بن بختيار ، وأبو إسحاق ، وأبو طاهر ابنا معز الدولة ، ووالدتهما ، وهي أم بختيار ، وأسبابهم ، فسار أبو تغلب إلى نصيبين ، فسير عضد الدولة سرية عليها حاجبه أبو حرب طغان إلى جزيرة ابن عمر ، وسير في طلب أبي تغلب سرية ، واستعمل عليها أبا الوفاء طاهر بن محمد ، على طريق سنجار ، فسار أبو تغلب مجدا ، فبلغ ميافارقين ، وأقام بها ومعه أهله ، فلما بلغه مسير أبي الوفاء إليه سار نحو بدليس ومعه النساء وغيرهن من أهله ، ووصل أبو الوفاء إلى ميافارقين ، فأغلقت دونه وهي حصينة من حصون الروم القديمة ، وتركها وطلب أبا تغلب .

[ ص: 361 ] ( وكان أبو تغلب ) قد عدل من أرزن الروم إلى الحسنية من أعمال الجزيرة وصعد إلى قلعة كواشى وغيرها من قلاعه ، وأخذ ما له فيها من الأموال ، وعاد أبو الوفاء إلى ميافارقين وحصرها .

ولما اتصل بعضد الدولة مجئ أبي تغلب إلى قلاعه سار إليه بنفسه ، فلم يدركه ، ولكنه استأمن إليه أكثر أصحابه ، وعاد إلى الموصل ، وسير في أثر أبي تغلب عسكرا مع قائد من أصحابه يقال له طغان ، فتعسف أبو تغلب إلى بدليس ، وظن أنه لا يتبعه أحد ، فتبعه طغان ، فهرب من بدليس وقصد بلاد الروم ليتصل بملكهم المعروف بورد الرومي ، وليس من بيت الملك ، وإنما تملك عليهم قهرا ، ( واختلف الروم عليه ) ، ونصبوا غيره من أولاد ملوكهم ، فطالت الحرب بينهم ، فصاهر ورد هذا أبا تغلب ليتقوى به فقدر أن أبا تغلب احتاج إلى الاعتضاد به .

ولما سار أبو تغلب من بدليس أدركه عسكر عضد الدولة ، وهم حريصون على أخذ ما معه من المال ، فإنهم كانوا قد سمعوا بكثرته ، فلما وقعوا عليه نادى أميرهم : لا تتعرضوا لهذا المال ، فهو لعضد الدولة ، ففتروا عن القتال .

فلما رآهم أبو تغلب فاترين حمل عليهم فانهزموا ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ونجا منهم ، فنزل بحصن زياد ويعرف الآن بخرتبرت ، وأرسل ورد المذكور فعرفه ما هو بصدده من اجتماع الروم عليه واستمده وقال : إذا فرغت عدت إليك . فسير إليه أبو تغلب طائفة من عسكره ، فاتفق أن وردا انهزم ، فلما علم أبو تغلب بذلك يئس من نصره ، وعاد إلى بلاد الإسلام ، فنزل بآمد ، وأقام بها شهرين إلى أن فتحت ميافارقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية