الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) لو قدم حربي بأمان ومعه سلع لمسلم أو ذمي ( كره ) كراهة تنزيه على الراجح ( لغير المالك ) [ ص: 188 ] ( اشتراء سلعة ) أي سلع المالك إما ; لأن فيه تسليطا لهم على أموال المسلمين وتقوية لهم عليها أو لأنه بشرائها يفوتها على المالك كما قال ( وفاتت به ) أي باشتراء غير المالك على المالك فليس له إليها سبيل بثمن ، ولا غيره ( و ) فاتت أيضا ( بهبتهم لها ) لمسلم أو ذمي إما ; لأن الأمان يحقق ملكهم أو ; لأنه بالعهد صار له حرمة ليست له في دار الحرب بخلاف ما باعوه أو وهبوه بدارهم فإن لربه أخذه بالثمن في البيع ، ومجانا في الهبة كما سيأتي . ( وانتزع ) من المستأمن ( ما سرق ) منا زمن العهد ( ثم عيد به ببلدنا ) بعد ذهابه لدار الحرب عاد به السارق أو غيره لكن إن عاد به السارق قطع ، ولو شرط عند العهد أن لا يؤخذ منه شيء مما سرق ولا تقام عليه حدود المسلمين ، لا يوفى له بشرطه ( على الأظهر ) متعلق بانتزع ( لا ) ينتزع منهم ( أحرار مسلمون ) أسروهم ثم ( قدموا بهم ) بأمان عند ابن القاسم على أحد قوليه والقول الآخر أنهم ينتزعون منهم جبرا بالقيمة ، وهو الذي عليه أصحاب مالك وبه العمل ( وملك ) الحربي ( بإسلامه ) جميع ما بيده مما غصبه أو سرقه أو نهبه ( غير الحر المسلم ) من رقيق ولو مسلما أو أم ولد أو معتقا لأجل وذمي وغيرهما ، وأما الحر المسلم فلا يملكه ذكرا أو أنثى ، ولا حبسا محققا ، ولا ما سرقه زمن عهده ، ولا دينا في ذمته ولا وديعة ، ولا ما استأجره منا حال كفره ( وفديت أم الولد ) بقيمتها وجوبا على سيدها لشبهها بالحرة ، واتبعت ذمته إن أعسر .

التالي السابق


( قوله : ولو قدم حربي بأمان إلخ ) أي ، وأما لو دخلوا بلادنا بالقهر ونهبوا منها أمتعة وأرادوا بيعها فيها فلا يجوز الشراء منهم ، وهي باقية على ملك أربابها فلهم أخذها ممن اشتراها بقصد التملك مجانا وأما إن [ ص: 188 ] اشتراها بقصد الفداء لربها فالأحسن أخذها بالفداء ; لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها ( قوله : اشتراء سلعه ) أي من الحربي الذي دخل بها بلادنا بأمان ( قوله : أو ; لأنه بشرائها يفوتها على المالك ) هذا التعليل هو الظاهر ، وأما ما قبله فيأتي أيضا فيما إذا كان المشتري هو المالك مع أنه لا يكره له شراؤها ، ولذا رده أبو الحسن انظر بن . ( قوله : وبهبتهم لها ) أي بعد دخولهم بها بلادنا بأمان ، وأما ما أخذوه من بلادنا نهبا ووهبوه فيها فلا يملكه الموهوب له ، ولا يفوت على مالكه بالهبة ثم إن ظاهر المصنف أنه لا كراهة في قبول الهبة كالشراء ، وإلا كان يقول ، وكره لغير المالك اشتراء سلعة واتهابها أي قبول هبتها وبعضهم سوى بينهما في الكراهة . وبالجملة فالمسألة ذات خلاف ، والتعليل الثاني في كراهة الشراء موجود في الهبة قاله شيخنا ( قوله : أو ; لأنه ) أي الحربي ( قوله : لا أحرار مسلمون قدموا بهم ) سواء كانوا ذكورا أو إناثا فلا تنزع منهم جبرا عليهم لا بالقيمة ، ولا بدونها ، ولا يمنعون من الرجوع بهم بلادهم كما لا ينزع منهم شيء من أموال المسلمين التي قدموا بها عندنا بأمان ، وقد كانوا أخذوها غصبا أو نهبا لا سرقة كما مر ، وأما ما أخذوه من بلادنا بعد استيلائهم عليها بالقهر ، وقدرنا على نزعه منهم قبل أن يذهبوا به لبلادهم فإنه ينزع منهم ; لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بمجرد استيلائهم عليها بل حتى تنقطع إقامة شعائر الإسلام عنها ، وأما ما دامت شعائر الإسلام أو غالبها قائمة فيها فلا تصير دار حرب .

( قوله : القول الآخر ) يعني لابن القاسم ، وهذا العزو فيه نظر فإن هذا القول لغير ابن القاسم من أصحاب مالك ، وأما قول ابن القاسم الآخر فهو أن ينتزع منهم بالقيمة الإناث دون الذكور هكذا في التوضيح والمواق . ا هـ . بن ( قوله : أنهم ينتزعون منه جبرا ) أي سواء كانوا ذكورا أو إناثا ( قوله : وملك بإسلامه غير الحر المسلم ) أي سواء قدم إلينا في حال كفره بأمان أو لم يقدم حال كفره لكن قدم حال إسلامه ، وأما إذا أسلم ، وأقام ببلده فسيأتي في آخر الباب في قول المصنف ، وماله وولده إلخ فقول خش قدم بأمان وأقام ببلده غير ظاهر ا هـ بن ; لأنه يقتضي أنه إذا قدم بذلك حال إسلامه لا يملكه ، وليس كذلك ولأنه إذا قام ببلده فله حكم آخر ، وليس له هذا الحكم ( قوله : وغيرهما ) أي غير الرقيق والذمي من أنواع العروض كالكتب والسلاح والأموال ، وإذا ملك ما ذكر بإسلامه جاز الشراء منه من غير كراهة ( قوله : ولا حبسا ) أي ، ولا يملك حبسا إلخ .

( قوله : ولا ما سرقه زمن عهده ) أي ; لأن شبهة الملك لهم إنما هي ظاهرة فيما أخذوه على طريق القهر والغلبة ، ومثل المسروق اللقطة فلا يملكها وتؤخذ منه مجانا ( قوله : ولا دينا ترتب في ذمته ) أي من شيء اشتراه من مسلم أو استأجره منه واقترضه منه ، ولو وقع الشراء والإجارة والسلف في أرض الحرب حال كفره ( قوله : بقيمتها ) أي على أنها قن ، ومحل وجوب فدائها ما لم تمت أو يمت سيدها ، وإلا فلا فداء لموتها في الأول وخروجها حرة في الثاني .




الخدمات العلمية