الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وينتقض ) عهده ( بقتال ) عام للمسلمين يقتضي خروجه عن الذمة لا ما كان فيه ذب عن نفسه ( ومنع جزية وتمرد على الأحكام ) الشرعية بأن يظهر عدم المبالاة ( وبغصب حرة مسلمة ) على الزنا وزنى بها بالفعل ، ولا بد من شهود أربعة على زناه يرون المرود في المكحلة على المعتمد [ ص: 205 ] وقيل يكفي هنا اثنان ; لأن شهادتهما على نقض العهد ( وغرورها ) بإخباره إياها أنه مسلم فتزوجها ووطئها ( وتطلعه على عورات المسلمين ) يعني يطلع الحربيين على عورات المسلمين كأن يكتب لهم كتابا أو يرسل رسولا بأن المحل الفلاني للمسلمين لا حارس فيه مثلا ليأتوا منه ( وسب نبي ) مجمع على نبوته عندنا ( بما لم يكفر به ) أي بما نقرهم عليه من كفرهم لا بما كفر به كلم يرسل إلينا أو عيسى ابن لله فإنه لا يقتل ; لأنا أقريناهم على ذلك نعم إن ظهر ذلك يوجع ضربا .

( قالوا ) أي الأشياخ في بيان ما لم يكفر به ( كليس بنبي أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن أو تقوله ) أي اختلقه من قبل نفسه ( أو عيسى خلق محمدا أو ) قال كما وقع لبعض نصارى مصر لعنه الله ( مسكين محمد يخبركم أنه في الجنة ما له لم ينفع نفسه حين أكلته الكلاب ) يريد عضته في ساقيه قال مالك حين سئل عن هذا اللعين : أرى أن يضرب عنقه ( وقتل إن لم يسلم ) ، ويتعين في السب ، وفي غصب المسلمة وغرورها ، وأما في التطلع على عورات المسلمين فيخير الإمام بين قتله ، وأسره ، وأما في قتاله فينظر فيه بالأمور الخمسة المتقدمة في الأسرى .

التالي السابق


( قوله : وينتقض عهده ) أي أمانه ، وقوله : بقتال عام أي غير مختص بواحد ( قوله : ومنع جزية ) يقيد كما قال البدر بمنعها تمردا أو نبذا للعهد لا مجرد بخل فيجبر عليها ( قوله : وبغصب حرة ) ، وأما زناه بها طائعة فإنما يوجب تعزيره وحدت هي ، وكذا لو زنى بأمة مسلمة أو بحرة كافرة طوعا أو كرها فلا يكون ذلك ناقضا لعهده .

[ ص: 205 ] قوله : وقيل يكفي هنا اثنان ) أي يشهدان على الغصب ، وإن لم يعاينا الوطء ، وقوله : على نقض العهد أي لا على الزنا ( قوله : فتزوجها ووطئها ) وأما لو تزوجها مع علمها بكفره من غير غرور فلا يكون نقضا لعهده ، ويلزمه الأدب فقط ( قوله : كأن يكتب لهم كتابا إلخ ) ففي المواق عن سحنون إن وجدنا في أرض الإسلام ذميا كاتبا لأهل الشرك بعورات المسلمين قتل ليكون نكالا لغيره ( قوله : مجمع على نبوته عندنا ) أي معشر المسلمين ، وإن أنكرها اليهود كنبوة داود وسليمان واحترز بقوله مجمع إلخ عما اختلف في نبوته عندنا كالخضر ولقمان فلا ينتقض عهده بسبه ( قوله : بما لم يكفر به ) أي بما لم يكفر به الكفر الذي يقر عليه بأن كفر به الكفر الذي لا يقر عليه كذا ذكر بعضهم وذكر غير واحد أن المراد بما لم يكفر به ما لا يقر عليه والمراد بما كفر به ما أقررناه عليه ( قوله : يريد عضته في ساقيه ) فيه أنه لا حاجة لهذا التفسير إذ لا حقيقة لهذا الكلام حتى يبين ، وإنما وقع من ملعون من نصارى مصر أنه قال مسكين محمد يخبركم بأنه في الجنة ما له لم ينفع نفسه إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه فأرسل لمالك الاستفتاء فيه فقال أرى أن يضرب عنقه فقال له ابن القاسم يا أبا عبد الله اكتب ، ويحرق بالنار فقال إنه لحقيق بذلك قال ابن القاسم فكتبتها ونفذت الصحيفة بذلك ففعل به ذلك .

قال عياض : ويجوز إحراق الساب حيا ، وميتا ( قوله : وقتل إن لم يسلم ) ضمير قتل راجع للناقض ( قوله : وفي غصب المسلمة وغرورها ) أما تعينه أي القتل في السب فقد اقتصر عليه في الرسالة وصدر به في الجواهر وحكى عياض في الشفاء عليه الاتفاق ، وأما تعينه في غصب الحرة وغرورها فهو في نقل ابن شاس وغيره لما فيهما من انتهاك حرمة الإسلام ، وقد قتل عمر رضي الله عنه علجا نخس بغلا عليه امرأة فسقطت فانكشفت عورتها ( قوله : وأما في قتاله فينظر فيه إلخ ) ، ومثل القتال التمرد على الأحكام ، ومنع الجزية من كونه ينظر فيه الإمام بالأمور الخمسة ، وما قاله شارحنا هو الصواب خلافا لما ذكره بعض الشراح من أن الضمير في قوله ، وقتل إن لم يسلم راجع للساب خاصة ، وأما غيره من بقية النقض فالإمام مخير فيه بفعل واحد من الأمور الخمسة السابقة ، وذلك ; لأن نقض العهد يوجب الرجوع للأصل من التخيير بين الأمور السابقة .




الخدمات العلمية