الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 68 ] ( الثانية )

الأمارات المتوسطة وهي التي ظهرت ولم تنقض بل تزايد وتكثر وهي كثيرة جدا .

( منها ) : قوله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع " رواه الإمام أحمد والترمذي والضياء المقدسي من حديث حذيفة رضي الله عنه . واللكع العبد والأحمق واللئيم . والمعنى : لا تقوم الساعة حتى يكون اللئام والحمقى ونحوهم رؤساء الناس .

( ومن الأمارات ) : قوله صلى الله عليه وسلم " يأتي على الناس زمان الصابر على دينه كالقابض على الجمر " رواه الترمذي عن أنس .

وقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان عن أنس رضي الله عنه . وقوله صلى الله عليه وسلم : " يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة - وفي لفظ - فساق " رواه أبو نعيم والحاكم عن أنس .

( ومنها ) : أن يرى الهلال ساعة يطلع فيقال لليلتين لانتفاخه وكبره ، روى معناه الطبراني عن ابن مسعود وفي لفظ " من أشراط الساعة انتفاخ الأهلة " بالخاء المعجمة أي عظمها وروي بالجيم .

( ومنها ) : اتخاذ المساجد طرقا . ( ومنها ) ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله عنه مرفوعا " من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة : إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة وأضاعوا الأمانة وأكلوا الربا واستحلوا الكذب واستخفوا بالدماء واستعلوا البناء وباعوا الدين بالدنيا وتقطعت الأرحام ويكون الحلم ضعفا والكذب صدقا والحرير لباسا وظهر الجور وكثر الطلاق وموت الفجأة وائتمن الخائن وخون الأمين وصدق الكذاب وكذب الصادق وكثر القذف وكان المطر قيظا والولد غيظا وفاض اللئام فيضا وغاض الكرام غيضا وكان الأمراء والوزراء والأمناء خونة والعرفاء ظلمة والقراء فسقة ، إذا لبسوا مسوك الضأن قلوبهم أنتن من الجيفة وأمر من الصبر يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود والظلمة وتظهر الصفراء وتطلب البيضاء - يعني الذهب والفضة - وتكثر الخطباء ويقل الأمر بالمعروف وحليت المصاحف وصورت المساجد وطولت المنابر وخربت [ ص: 69 ] القلوب وشربت الخمور وعطلت الحدود وولدت الأمة ربتها وترى الحفاة العراة صاروا ملوكا وشاركت المرأة زوجها في التجارة وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وحلف بغير الله وشهد المرء من غير أن يستشهد وسلم للمعرفة وتفقه لغير الله وطلبت الدنيا بعمل الآخرة واتخذ المغنم دولا - وهو بضم الدال المهملة وفتح الواو : ما يتداول من المال ، ومعناه إذا اختص الأغنياء وأرباب المناصب بأموال الفيء ومنعوها مستحقيها كما في النهاية - والأمانة مغنما والزكاة مغرما وكان زعيم القوم أرذلهم وعق الرجل أباه وجفا أمه وبر صديقه وأطاع امرأته وعلت أصوات الفسقة في المساجد واتخذت القيان والمعازف وشربت الخمور في الطرق واتخذ الظلم فخرا وبيع الحكم وكثرت الشرط واتخذ القرآن مزامير وجلود السباع صفافا - أي بأن تجعل على السروج كما يفعله أمراء زماننا - ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وخسفا ومسخا وقذفا وآيات " .

( ومنها ) : ما رواه الإمام أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سليمان موقوفا والحسن بن سفيان وابن عساكر مرفوعا " إذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسن واختلفت القلوب وقطع كل ذي رحم رحمه فعند ذلك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم " .

( ومنها ) : ما أخرجه الإمام أحمد أيضا والحاكم وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه مرفوعا " إذا كانت الفاحشة في كباركم والملك في صغاركم والعلم في رذالكم والمداهنة في خياركم " يعني فتقرب إقامة الساعة . وأخبار من هذه كثيرة جدا ذكرت منها طرفا صالحا في كتابي البحور الزاخرة في علوم الآخرة .

( منها ) : ما في صحيح البخاري وغيره من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال : ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد " .

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي قال متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث . وقال بعض القوم [ ص: 70 ] سمع ما قال فكره ما قال ، وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه : قال أين السائل عن الساعة ؟ فقال ها أنا يا رسول الله قال " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " قال كيف إضاعتها ؟ قال " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية