الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
ما جاء في nindex.php?page=treesubj&link=30889دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة وفي صلاته فيها
[ 1183 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن nindex.php?page=hadith&LINKID=659367nindex.php?page=treesubj&link=28430_30888_30889_1502_16359رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة هو وأسامة، وبلال، وعثمان بن طلحة الحجبي - وفي رواية: ولم يدخلها معهم أحد - فأغلقها عليه، ثم مكث فيها ، قال ابن عمر: فسألت بلالا حين خرج: ما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: جعل عمودين عن يساره، وعمودا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى.
وفي رواية : ثم فتح الباب قال عبد الله: فبادرت الناس ، فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خارجا، nindex.php?page=showalam&ids=115وبلال على أثره ، فقلت nindex.php?page=showalam&ids=115لبلال: هل صلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم قلت: أين؟ قال: بين العمودين، تلقاء وجهه ، قال: ونسيت أن أسأله كم صلى .
رواه أحمد (2/ 33 و 55) والبخاري (505)، ومسلم ( 1329) (388 و 389) ، وأبو داود (2023 و 2025)، والنسائي ( 2/ 63).
[ 1184 ] وعنه، قال: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح على ناقة nindex.php?page=showalam&ids=111لأسامة بن زيد ، حتى أناخ بفناء الكعبة، ثم دعا nindex.php?page=showalam&ids=5546عثمان بن طلحة فقال: ائتني بالمفتاح، فذهب إلى أمه ، فأبت أن تعطيه. فقال: والله لتعطينه، أو ليخرجن هذا السيف من صلبي ، قال: فأعطته إياه ، فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فدفعه إليه ، ففتح الباب، ثم ذكر نحوه
[ ص: 429 ] (47) ومن باب: دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة
هذا إنما كان عام الفتح ، كما جاء منصوصا في الرواية الأخرى ، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - محرما يوم الفتح ، فلا يستدل به ، على أن دخول البيت نسك في الحج والعمرة ; كما ذهب إليه بعضهم. وأما أحاديث حجة الوداع فليس في شيء منها تحقيق : أنه صلى الله عليه وسلم دخل أولا. غير أن أبا داود روى من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها- : nindex.php?page=hadith&LINKID=673657أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها مسرورا ، ثم رجع إليها وهو كئيب ، فقال : (إني دخلت الكعبة ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها ، إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي ) ; وظاهره : أن ذلك كان في حجة الوداع ، غير أن هذا الحديث في إسناده إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصغير ، وهو ضعيف . وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار بإسناد آخر ، ولا يثبت أيضا .
وقوله : ( فأغلقها عليه ) ; فيه دليل على اختصاص السابق للمنفعة المشتركة بها ، ومنعها ممن يخاف تشويشها عليه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فائدة أمره - صلى الله عليه وسلم - بإغلاقها وجوب الصلاة إلى جدار من جدرها ، وأنه لو صلى إلى الباب وهو مفتوح ; لم يجزه ; لأنه لم يستقبل منها شيئا . وألزم من مذهبه إبطال هذا ; لأنه يجيز الصلاة في [ ص: 430 ] أرضها لو تهدمت الجدر ; لاستقباله أرضها . وقيل : إنما أغلقها دونهم لئلا يتأذى بزحامهم . وقيل : لئلا يصلى بصلاته ، فتتخذ الصلاة فيها سنة . ولا يلتفت لقول من قال : إنما فعل ذلك لئلا يستدبر شيئا من البيت ، كما وقع في زيادة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن بعض الرواة ; لأن الباب إذا أغلق ; صار كأنه جدار البيت .
وقوله : ( جعل عمودين عن يساره ، وعمودا عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه ) ; هكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن يحيى بن يحيى التميمي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر . ورواه يحيى بن يحيى الأندلسي وغيره في "الموطأ" عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : (جعل عمودا عن يساره ، وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه) . وفي nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه ; أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بين العمودين اليمانيين . وظاهر هذا الاختلاف اضطراب . ويمكن أن يقال : إنه - صلى الله عليه وسلم - تكررت صلاته في تلك المواضع ، وإن كانت القضية واحدة ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - مكث في الكعبة طويلا .
[ ص: 431 ] وحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا ، وروايته عن nindex.php?page=showalam&ids=115بلال يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في البيت الصلاة المعهودة الشرعية . وبهذا أخذ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وجماعة من السلف ، وبعض الظاهرية فقالوا : يصلى في الكعبة التطوع والفرض . وقد خالف nindex.php?page=showalam&ids=115بلالا أسامة ، فقال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في الكعبة ، وإنما دعا فيها . وبهذا أخذ nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبعض الظاهرية ; فلم يجيزوا فيها فرضا ولا تطوعا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا يصلى فيها الفروض ولا السنن ، ويصلى فيها التطوع ، غير أنه إن صلى فيها الفرض أعاد في الوقت . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ : يعيد أبدا .
ويمكن أن يجمع بين حديث أسامة nindex.php?page=showalam&ids=115وبلال على مقتضى مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . فيقال : إن قول nindex.php?page=showalam&ids=115بلال : أنه صلى فيها ; يعني به : التطوع . وقول أسامة : إنه لم يصل فيها ; يعني به : الفرض . وقد جمع بينهما بعض أئمتنا بوجه آخر فقال : إن أسامة تغيب في الحين الذي صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يشاهده ، فاستصحب النفي لسرعة رجعته ، فأخبر عنه ، وشاهد ذلك nindex.php?page=showalam&ids=115بلال فأخبر عما شاهد. وعضد هذا بما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن أسامة قال : رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - صورا في الكعبة ، فكنت آتيه بماء في الدلو يضرب به تلك الصور . فيحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في حالة مضي أسامة في طلب الماء ، والله تعالى أعلم .
وعلى الجملة : فحديث من أثبت أولى أن يؤخذ به ; لأنه أخبر عن مشاهدة ، فكان أولى من النافي .
وفي هذا الحديث ما يدل: على أن nindex.php?page=treesubj&link=33004سدانة البيت ولاية باقية nindex.php?page=showalam&ids=5546لعثمان بن طلحة [ ص: 432 ] وذويه ، فلا تنتزع منهم بحال ; كالسقاية في بني العباس ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=685200 (كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج ، وسدانة البيت) . وقال : (يا بني عبد الدار ! خذوها خالدة ، تالدة) . وبذلك قال جميع العلماء . وأعظم nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن يشرك غيرهم فيها معهم .
وهذه العمرة التي سئل عنها nindex.php?page=showalam&ids=51ابن أبي أوفى هي عمرة القضاء ، ولم يختلف أنه لم يدخل فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت ; لما كان فيه من الصور ، والأصنام ، ولم يكن يقدر على تغييرها إذ ذاك لأجل مشركي أهل مكة ، فلما فتحها الله عليه دخل البيت ، وصلى فيه ، على ما تقدم . وسائر عمره لم يثبت فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخوله البيت ، ولا نفيه .