الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وإنما تجب الزكاة في شركة المجاورة [ ص: 61 ] ( بشرط أن لا يتميز ) ماشية أحدهما عن ماشية الآخر ( في المشرع ) وهو موضع شرب الماشية ، ولا في المكان الذي توقف فيه عند إرادة سقيها ، ولا في الذي تنحى إليه ليشرب غيرها ( و ) لا في ( المسرح ) وهو الموضع الذي تجتمع فيه ثم تساق إلى المرعى ، ولا في المرعى وهو الموضع الذي ترعى فيه ، ويشترط أيضا اتحاد الممر بينهما كما في المجموع ( و ) لا في ( المراح ) وهو بضم الميم مأواها ليلا ( و ) لا في ( موضع الحلب ) وهو بفتح اللام يقال للبن وللمصدر وهو المراد هنا ، وحكي سكونها لأنه إذا تميز مال كل منهما بشيء لم يصر ذلك كمال واحد ، والغرض من الخلطة صيرورتهما كمال واحد لخفة المؤنة ، وليس المراد كما قاله في الشرح الصغير أن لا يكون لهما إلا مشرع أو مرعى أو مراح واحد بالذات بل لا بأس بتعددها ، ولكن ينبغي أن لا تخص ماشية هذا بمراح ومشرع وماشية الآخر بمراح ومشرع ( وكذا ) يشترط ( اتحاد الراعي والفحل في الأصح ) لخبر { والخليطان ما اجتمعا في المرعى والفحل والراعي } رواه الدارقطني بسند ضعيف ، ويجوز تعدد الرعاة قطعا بشرط عدم انفراد كل براع .

                                                                                                                            والمراد بالاتحاد أن يكون الفحل أو الفحول مرسلة فيها تنزو على كل من الماشيتين بحيث لا تختص ماشية كل بفحل عن ماشية الآخر وإن كانت ملكا لأحدهما أو معارة له أو لهما إلا إذا اختلف النوع كضأن ومعز فلا يضر اختلافه جزما للضرورة ، ويشترط اتحاد مكان الإنزاء كالحلب ، ولو افترقت ماشيتهما زمنا طويلا ولو من غير قصد ضر ، فإن كان يسيرا ولم يعلما به لم يضر ، فإن علما به وأقراه أو قصدا ذلك أو علمه أحدهما فقط كما قاله الأذرعي وغيره ضر ، ومقابل الأصح في الراعي والفحل ينظر إلى أن الافتراق فيهما لا يرجع إلى نفس المال بخلافه فيما قبلهما ، وفهم من كلامه أنه لا يشترط اتحاد الحالب ولا الإناء الذي يحلب فيه ، وهو الأصح ، كما لا يشترط اتحاد آلة الجز ولا خلطة اللبن في الأصح ( لا نية الخلطة في الأصح ) إذ مقتضى تأثير الخلطة من خفة المؤنة حاصل وإن لم تنو .

                                                                                                                            والثاني تشترط ; لأن الخلطة مغيرة لمقدار الزكاة فلا بد من قصده دفعا لضرره في الزيادة وضرر الفقراء في النقصان ، ثم محل ما تقدم حيث لم يتقدم للخليطين حالة انفراد ، فإن انعقد الحول على الانفراد ، ثم طرأت الخلطة فإن اتفق حولاهما بأن ملك كل واحد منهما أربعين شاة ثم خلطا في أثناء الحول لم تثبت الخلطة في السنة الأولى ، فيجب على كل واحد عند تمامها شاة ، وإن اختلف حولاهما كأن ملك هذا غرة المحرم وهذا غرة صفر وخلطا غرة شهر ربيع فعلى كل [ ص: 62 ] واحدة عند انقضاء حوله شاة ، وإذا طرأ الانفراد على الخلطة فمن بلغ ماله نصابا زكاه ومن لا فلا ، ولم يبين المصنف حكم التراجع .

                                                                                                                            وحاصله جواز أخذ الساعي من مال أحد الخليطين وإن لم يضطر إليه ، فإذا أخذ شاة مثلا من أحدهما رجع على صاحبه بما يخصه من قيمتها لا منها ; لأنها غير مثلية ، فلو خلطا مائة بمائة وأخذ الساعي شاتين من أحدهما رجع على صاحبه بنصف قيمتهما لا بقيمة نصفهما ولا بشاة ولا بنصفي شاتين ، فإذا أخذ من كل شاة فلا تراجع ، وإن اختلفت قيمتهما فلو كان لزيد ثلاثون ولعمرو عشر فأخذ الشاة من عمرو ورجع على زيد بثلاثة أرباع قيمتها أو أخذها من زيد رجع على عمرو بالربع ، وإن كان لزيد مائة ولعمرو خمسون فأخذ الساعي الشاتين من عمرو رجع على زيد بثلثي قيمتهما أو من زيد رجع بالثلث ، وإن أخذ من كل منهما شاة رجع زيد بثلث قيمة شاته وعمرو بثلثي قيمة شاته ، وإن تنازعا في قيمة المأخوذ فالقول قول المرجوع عليه ; لأنه غارم وقد يقع التقاص وإن كان لزيد أربعون من البقر ولعمرو منها ثلاثون فأخذ الساعي التبيع والمسنة من عمرو رجع بأربعة أسباع قيمتهما أو من زيد رجع بثلاثة أسباع قيمتهما ، فإن أخذ من كل فرضه فلا تراجع ، فإن أخذ التبيع من زيد والمسنة من عمرو رجع على زيد بأربعة أسباعها ، ورجع عليه زيد بثلاثة أسباع التبيع ، ولا يعتبر في الرجوع فيما ذكر إذن الشريك الآخر في الدفع كما هو ظاهر الخبر السابق .

                                                                                                                            قال الزركشي : وكلام الإمام مصرح به لإذن الشارع فيه ، ولأن المالين بالخلطة صارا كالمال المنفرد ، وجرى عليه ابن الأستاذ قال : لأن نفس الخلطة مسلطة على الدفع المبرئ الموجب للرجوع .

                                                                                                                            وقال الجرجاني : لكل من الشريكين أنه يخرج بغير إذن شريكه ، ومنه يؤخذ أن نية أحدهما تغني عن نية الآخر وأن قول الرافعي كالإمام في كتاب الحج أن من أدى حقا على غيره يحتاج إلى النية بغير إذنه لا يسقط عنه محمول على غير الخليطين في الزكاة ، وظاهر كلامهم كالخبر أنه لا فرق في الرجوع بغير إذن بين أن يخرج من المال المشترك وأن يخرج من غيره ، لكن نقل الزركشي عن القاضي أبي محمد المروزي أن محله إذا أخرج من المشترك ، والظاهر أن كلامهم كالخبر محمول عليه ، وعبارة المجموع : قال أصحابنا : أخذ الزكاة من مال الخليطين يقتضي التراجع بينهما ، وقد يقتضي رجوع أحدهما على صاحبه دون الآخر ( والأظهر ) ( تأثير خلطة الثمر والزرع والنقد وعرض التجارة ) باشتراك أو مجاورة كما في الماشية لعموم خبر { لا يجمع بين متفرق } [ ص: 63 ] ولأن المقتضي لتأثير الخلطة في الماشية هو خسة المؤنة ، وذلك موجود هنا للارتفاق .

                                                                                                                            والثاني ، وهو القديم لا تؤثر مطلقا ; لأن المواشي فيها أوقاص ، والخلطة فيها نفع المالك تارة والمستحقين أخرى ، ولا وقص في غير المواشي ، وعلى الأول إنما تؤثر خلطة الجوار في الزراعة ( بشرط أن لا يتميز الناطور ) بالمهملة أشهر من المعجمة : أي الحافظ لهما ( والجرين ) بفتح الجيم موضع تجفيف الثمار ، والبيدر بفتح الموحدة والدال المهملة موضع تصفية الحنطة ، قاله الجوهري .

                                                                                                                            وقال الثعالبي : الجرين للزبيب ، والبيدر للحنطة ، والمربد بكسر الميم وإسكان الراء للتمر ( و ) في التجارة بشرط أن لا يتميز ( الدكان ) بضم المهملة الحانوت ( والحارس ) ذكره بعد الناطور من ذكر الأعم بعد الأخص ( ومكان الحفظ ) كخزانة ولو كان مال كل بناحية منه ( ونحوها ) كالوزان والميزان والمنادي والنقاد والحراث وجذاذ النخل والحمال والكيال والمتعهد والحصاد والملقح وما يسقى لهما به ، فإن كان لكل منهما نخيل أو زرع مجاور لنخيل الآخر أو لزرعه أو لكل واحد كيس فيه نقد في صندوق واحد وأمتعة تجارة في مخزن واحد ، ولم يتميز أحدهما عن الآخر بشيء مما مر ثبتت الخلطة ; لأن المالين يصيران كذلك كالمال الواحد

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 61 ] قوله : اتحاد الممر بينهما ) أي بين المسرح والمرعى لا بين المشرع والمسرح ( قوله : رواه الدارقطني بسند ضعيف ) وضعفه لا يمنع من مقصود الشارح ; لأنه لم يرد به الاستدلال على أصل الخلطة بل الدليل بل أصلها الإجماع وعلى اعتبار الشروط ما يحقق خفة المؤنة ، وهي إنما تحصل بذلك ( قوله : ويجوز تعدد الرعاة ) قال في مختار الصحاح : وجمع الراعي رعاة كقاض وقضاة ورعيان كشاب وشبان ا هـ أي ويجمع أيضا على رعاء كما في قوله تعالى { حتى يصدر الرعاء } الآية ، وصرح به في الصحاح والقاموس ، وزاد في القاموس : ورعاء بالفتح قالا وبالضم اسم جمع ( قوله : ولو افترقت ماشيتهما زمنا طويلا ) وهو الزمان الذي لا تصير فيه الماشية على ترك العلف بلا ضرر بين ( قوله : وفهم من كلامه أنه لا يشترط ) أي حيث لم يتعرض له ( قوله : كما لا يشترط اتحاد آلة الجز ) وكذا لا يشترط اتحاد الجزاز قياسا على الحالب ، ولا خلطة الصوف قياسا على خلطة اللبن وقياس اشتراط اتحاد موضع الحلب اشترط اتحاد موضع الجز [ ص: 62 ] قوله : فلا تراجع وإن اختلفت قيمتهما ) قياس ما يأتي فيما لو كان لأحدهما مائة والآخر خمسون رجوع كل منهما على الآخر بنصف قيمة شاة ، وقد يفرق بأنه في المسألة الآتية لما أخذ من عمرو فوق الواجب عليه ورجع على زيد به سوى بينهما برجوع زيد عليه أيضا ، بخلاف ما هنا فإن كلا منهما أخذ منه قدر حصته ( قوله : وقد يقع التقاص ) أي بأن كانت قيمتهما مستوية جنسا وقدرا وصفة ( قوله : ومنه يؤخذ أن نية أحدهما ) أي المخرج عن الزكاة ( قوله : يحتاج هو صفة حقا ، وقوله بغير إذنه صلة أدى قوله أن محله إذا أخرج من المشترك ) معتمد ( قوله : دون الآخر ) أي كأن دفع من غير المال المخلوط بغير إذن من شريكه ( قوله : لعموم خبر إلخ ) ببعض الهوامش كان الأولى أن [ ص: 63 ] يقول : لمطلق ما تقدم لأنه من باب العام ا هـ . أقول : قد يقال المطلق هو ما دل على مجرد الماهية .

                                                                                                                            وليس ذلك مرادا هنا بل المراد النهي عن كل فرد فرد يصدق عليه التفريق أو الجمع لكونه في حيز النهي ، وذلك من قبيل العام لا المطلق ( قوله : ولا وقص ) بفتح القاف أفصح من إسكانها ا هـ شرح روض ( قوله : أي الحافظ لهما ) أي المالين ( قوله : من ذكر الأعم بعد الأخص ) لم يتقدم في كلامه ما يعلم منه وجه العموم .

                                                                                                                            نعم في كلام المحلي ما يقتضيه حيث قال : الناطور بالمهملة هو حافظ النخل والشجر ( قوله لأن المالين يصيران إلخ ) يؤخذ من هذا جواب ما وقع السؤال عنه في الدرس من أن جماعة ودعوا عند شخص دراهم ومضى على ذلك سنة هل يجب عليهم الزكاة أم لا ؟ وهو وجوب الزكاة سواء كان مال كل واحد منهم يبلغ نصابا أم لا فيما يظهر فليراجع ، ثم رأيت في سم على الغاية ما نصه : فرع عنده ودائع لا يبلغ كل واحدة منها نصابا فجعلها في صندوق واحد جميع الحول فهل يثبت حكم الخلطة فيه ،والظاهر الثبوت لانطباق ضابطها ، ونية الخلطة لا تشترط ، ثم حيث تثبت الخلطة فللساعي أن يأخذ الواجب أو بعضه من مال أحدهما دون الآخر ، وإذا رجع المأخوذ منه على غيره رجع بقدر حصته من مجموع المالين مثلا في المثلي وقيمة في المتقوم ا هـ . أي حيث كان الساعي يرى أخذ القيمة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 61 ] قوله : ينظر إلى أن الافتراق فيهما لا يرجع إلى نفس المال ) أي لا يلزم منه افتراق المال إذ هو مخلوط بالفعل ، بخلاف نحو المسرح يلزم من اختلافه افتراق عين المال إذ يصير كل مال في مسرح على حدة [ ص: 62 ] قوله : كما هو ظاهر الخبر السابق ) تبع في هذا التعبير شرح الروض ، لكن ذاك أحال على ما قدمه في خبر البخاري في حديث أنس السابق ولفظه { وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية } وكأن الشارح أراد كما هو ظاهر الخبر السابق بعضه ( قوله : وقال الجرجاني لكل من الشريكين أن يخرج ) أي من مال نفسه كما هو صريح السياق فإن الظاهر أنه لا تسلط له على ملك الآخر ، بخلاف الساعي إذ الشارع سلطه ( قوله : من المال المشترك ) أي مما يخصه منه كما قدمناه فليراجع [ ص: 63 ] قوله : من ذكر الأعم بعد الأخص ) ينافيه ما قدره في المتن من جعل هذا في التجارة خاصة وما مر في الزروع والثمار ( قوله والحصاد والملقح إلخ ) كان المناسب لصنيعه أن يذكر هذا قبل الدكان وما بعده مما هو متعلق بالتجارة




                                                                                                                            الخدمات العلمية