الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2191 - مسألة : كيف يضرب الحدود أقائما أم قاعدا ؟ اختلف الناس في ذلك وقال الله تعالى { فإن تنازعتم في شيء } الآية

                                                                                                                                                                                          أما من قال بأن الحدود تقام على المحدود وهو قائم فإنهم ذكروا في ذلك

                                                                                                                                                                                          ما ناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد أنا إبراهيم بن أحمد أنا الفربري أنا البخاري أنا إسماعيل بن عبد الله أنا مالك عن نافع عن ابن عمر ، فذكر حديث اليهوديين اللذين رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنى ، قال ابن عمر { : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة }

                                                                                                                                                                                          وذكروا حديث أبي هريرة في جلده حد القذف الذي يقول في ذلك : لعمرك إني يوم أضرب قائما ثمانين سوطا ، إنني لصبور

                                                                                                                                                                                          ثم أتوا بأطرف ما يكون من التخليط ؟ فقالوا : إن قول عمر بن الخطاب للجالد في الحد " اضرب وأعط كل ذي عضو حقه " دليل على أن المجلود كان قائما ، وقال : فدل حديث اليهوديين على أن الرجل كان قائما ، وإنها كانت قاعدة ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فكل هذا عليهم لا لهم على ما نبين - إن شاء الله تعالى - أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فهم أول من عصاه وخالفه ، وقالوا : لا يحل أن [ ص: 81 ] يقام حد الزنى على يهودي ولا يهودية ، وحملوا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على ما لم يقدموا على إطلاقه بألسنتهم ، إما أنه على معصية الله تعالى وإما أنه على إنفاذ لما في التوراة ، مما لا يجوز لهم إنفاذه ، وأنه على كل حال لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بأمر الله تعالى ولا بوحيه إليه ، ولا بحق يجب اتباعه فيه : لا محيد لهم من هذا

                                                                                                                                                                                          فهذا الذي ظنوا من ذلك كذب بحت ، وما فيه دليل على أنه كان قائما ، ولا أنها كانت قاعدة ، بل قد يحني عليها وهو راكع - وهو الأظهر - أو وهو منكب قريب من الجلوس ، وهو ممكن جدا أيضا ، وأما أن يحني عليها وهو قائم وهي قاعدة فممتنع لا يمكن ألبتة ، ولا يتأتى ذلك - وقد يمكن أن يكونا قائمين ، ويحني عليها بفضل ما للرجل على المرأة من الطول ، وقد يمكن أن يكونا قاعدين

                                                                                                                                                                                          وأما حديث أبي هريرة فليس فيه : أن أبا هريرة أوجب عليه أن يقوم قائما ، إذ جلده ولا بد ، ولا أن المرأة بخلاف الرجل

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فإذ لا نص في شيء من هذا ، ولا إجماع ، فقد أيقنا أن الله تعالى لو أراد أن يكون إقامة الحد على حال لا يتعدى من قيام أو قعود ، أو فرق بين رجل وامرأة لبينه على لسان رسوله عليه السلام

                                                                                                                                                                                          فصح أن الجلد في الزنى ، والقذف ، والخمر ، والتعزير : يقام كيفما تيسر على المرأة والرجل ، قياما وقعودا ، فإن امتنع أمسك ، وإن دفع بيديه الضرب عن نفسه : مثل أن يلقى الشيء الذي يضرب به فيمسكه أمسكت يداه

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية