الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ورد على من اتخذ شفعاء من دونه فقال: أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون .

وقال: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون .

وقال تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه .

وقال تعالى: وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد [ ص: 112 ] أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى .

وقال تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى .

وقال: ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له .

وكتب الله من أولها إلى آخرها تأمر بإخلاص الدين لله، لاسيما الكتاب الذي بعث به محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو الشريعة التي جاء بها، فإنها كملت الدين، قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم ، وقال: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون .

وقد جعل قوام الأمر بالإخلاص لله والعدل في الأمور كلها، كما قال تعالى: قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة .

ولقد خلص للنبي - صلى الله عليه وسلم - التوحيد من دقيق الشرك وجليله، حتى قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك". رواه الترمذي وصححه .

وقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا [ ص: 113 ] فليحلف بالله أو ليصمت". وهذا مشهور في الصحاح .

وقال: "لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد" .

وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده" .

وروي عنه أنه قال: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل" .

وروي عنه أن الرياء شرك .

وقال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا .

وعلم بعض أصحابه أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم" .

ومن هذا الباب الذين يسألون الصدقة أو يعطونها لغير الله، مثل [ ص: 114 ] من يقول: لأجل فلان، إما بعض الصحابة أو بعض أهل البيت، حتى يتخذ السؤال بذلك ذريعة إلى أكل أموال الناس بالباطل، ويصير قوم ممن ينتسب إلى محبة آل البيت يعطي الناس، وآخرون ممن ينتسب إلى السنة يعطي الآخرين، والشيطان قد استحوذ على الجميع، فإن الصدقة وسائر العبادات لا يشرع أن تفعل إلا لله، كما قال تعالى: وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى .

وقال تعالى: وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون .

وقال: ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل .

وقال: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا .

وقال تعالى كلمة جامعة: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة . [ ص: 115 ]

وعبادته تجمع الصلاة وما يدخل فيها من الدعاء والذكر، وتجمع الصدقة والزكاة بجميع الأنواع من الطعام واللباس والنقد وغير ذلك.

والله يجعلنا وسائر إخواننا المؤمنين مخلصين له الدين، نعبده ولا نشرك به شيئا، معتصمين بحبله، متمسكين بكتابه، متعلمين لما أنزل من الكتاب والحكمة، ويصرف عنا شياطين الجن والإنس، ويعيذنا أن تفرق بنا عن سبيله، ويهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.

التالي السابق


الخدمات العلمية