الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2300 - مسألة : السكر ؟ قال أبو محمد : أباح أبو حنيفة شرب نقيع الزبيب إذا طبخ ، وشرب نقيع التمر إذا طبخ ، وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه - وإن أسكر كل ذلك - فهو عنده حلال ، ولا حد فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر - وإن سكر من شيء من ذلك فعليه الحد .

                                                                                                                                                                                          وإن شرب نبيذ تين مسكر ، أو نقيع عسل مسكر ، أو عصير تفاح مسكر ، أو شراب قمح ، أو شعير ، أو ذرة مسكر : فسكر من كل ذلك ، أو لم يسكر ، فلا حد في ذلك أصلا ؟ قال أبو محمد رحمه الله : وهم يقولون : إن الحدود لا تؤخذ قياسا أصلا ؟ [ ص: 379 ] فنقول لهم : أين وجدتم هذا التقسيم ؟ أفي قرآن ، أم في سنة صحيحة ، أو سقيمة ، أو موضوعة ؟ أو في إجماع ، أو دليل إجماع ؟ أم في قول صاحب ، أم في قول أحد قبلكم ، أم في قياس ، أم في رأي يصح ؟ فلا سبيل لهم إلى وجود ذلك في شيء مما ذكر ؟ ; لأنهم ، إن قالوا : حرم الله تعالى الخمر في القرآن ؟ قلنا : نعم ، فمن أين وجدتم أنتم الحد في السكر مما ليس خمرا عندكم ، بل هو حلال عندكم طيب ، وهو مطبوخ عصير العنب إذا ذهب ثلثاه ، ونقيع الزبيب ، ونقيع التمر إذا طبخا ، ولا خمر هاهنا أصلا ؟ فإن قالوا : { جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم السكران إذ أتي به } .

                                                                                                                                                                                          ورووا حديث الخمر بعينها ، والسكر من غيرها ، أو من كل شراب ، و { اشربوا في الظروف ولا تسكروا } وما كان في معنى هذه الأخبار ؟ قلنا لهم : وبالله تعالى التوفيق - فأنتم أول من خالف ذلك ، فإنكم لا ترون الحد على من وجد سكران .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فهل وجدتم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله مماذا سكر ؟ فإن قال له : من نبيذ عسل ، أو شراب شعير ، أو شراب ذرة ، أطلقه ، وقد كان كل ذلك موجودا كثيرا على عهده - عليه السلام .

                                                                                                                                                                                          وإن قال له : من نبيذ تمر ، أو نقيع زبيب ، أو عصير عنب : حده .

                                                                                                                                                                                          هل جاء هذا قط في نقل صادق أو كاذب ؟ فأنى لكم هذا التقسيم السخيف ؟ فعنه سألناكم ، وعن تحريمكم به ، وتحليلكم ، وعن إباحتكم به الأشياء المحرمة ، أو إسقاطكم حدود الله تعالى الواجبة ؟ فإن قالوا : قد صح الإجماع على حد الشارب بعصير العنب الذي لم يطبخ إذا سكر ، واختلف فيما عداه ؟ قلنا لهم : فمن أين أوجبتم الحد على من سكر من نبيذ التمر - مطبوخا كان أو [ ص: 380 ] غير مطبوخ - ومن نبيذ الرطب كذلك ، ومن نبيذ الزهو ، ومن نبيذ البسر ، ومن نبيذ الزبيب كذلك ، ولا إجماع في وجوب الحد عليه ؟ وقد روينا عن الحسن وغيره : أنه لا حد على السكران من النبيذ - وكذلك عن إبراهيم النخعي - وهو قول ابن أبي ليلى - ولا يجدون أبدا قول صاحب ، ولا قول تابع بمثل هذا التقسيم .

                                                                                                                                                                                          وكذلك من اضطر إلى الخمر لعطش ، أو لاختناق ، فشرب منها مقدار ما يزيل عطشه ، أو اختناقه ، وذلك حلال له - عندنا وعندهم - فسكر من ذلك ؟ وهذا لا يقولونه .

                                                                                                                                                                                          فصح يقينا أن السكر لا حد فيه أصلا ، وإنما الحد ، والتحريم ، في المسكر - سكر منه أو لم يسكر - وقد نجد من يسكر من ثلاثة أرطال - أو أربعة سكرا شديدا - ونجد من لا يسكر من أزيد من عشرين رطلا من خمر ، ولا تتغير له حالة أصلا .

                                                                                                                                                                                          وأما القذف بشرب الخمر - فقد ذكرناه قبل هذا بأبواب وقول رجاء بن حيوة وغيره إيجاب الحد فيه ، وبينا أن الحد لا يجب في ذلك ، إذ لم يأت به قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأما التعريض في القذف - فقد ذكرناه في كلامنا في حد القذف وتقصيناه هنالك أنه لا حد في التعريض ; لأنه لم يوجب الحد فيه قرآن ، ولا سنة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا إجماع ; لأن الصحابة - رضي الله عنهم - اختلفوا في ذلك ، وليس قول بعضهم أولى من قول بعض - وذكرنا صحة الخبر { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي أخبره : أن امرأته ولدت ولدا أسود - وهو يعرض بنفيه } .

                                                                                                                                                                                          وفي { الذي أخبره عليه السلام : أن امرأته لا ترد يد لامس فلم يوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حد القذف } - وبالله تعالى التوفيق . 2301 -

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية