الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 109 ] والمعتدات على ستة أضرب : إحداهن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن حرائر كن ، أو إماء من فرقة الحياة ، أو الممات . والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان . فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي ، فهل تنقضي به العدة ؛ على روايتين . وإن أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل لم تنقض عدتها به . وعنه : تنقضي به ، وفيه بعد . وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة وأكثرها أربع سنين . وعنه : سنتان . وأقل ما يتبين به الولد أحد وثمانون يوما .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( والمعتدات على ستة أضرب ) وسيأتي الكلام عليهن ، ولم يجعل الآيسات من المحيض ضربا ، واللائي لم يحضن ضربا لاستواء عدتهما ، ( إحداهن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) بغير خلاف للآية . ( حرائر كن أو إماء من فرقة الحياة ، أو الممات ) إلا ما روي عن ابن عباس ، وعن علي من وجه منقطع أنها تعتد أطول الأجلين . وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله ، وروي عن ابن عباس أنه رجع إلى قول الجماعة . وآية الحمل متأخرة عن آية الأشهر ، قال ابن مسعود : من شاء باهلته ، أو لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن نزلت بعد آية البقرة والذين يتوفون منكم الآية ، والخاص مقدم على العام ، ولأنها معتدة حامل فتنقضي عدتها بوضعه كالمطلقة إذ الوضع أدل الأشياء على براءتها ، فلو ظهر بعضه فهي في عدتها حتى ينفصل باقيه . وإن كانا اثنين ، أو أكثر لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر . وعنه : بالأول . ذكرها ابن أبي موسى ، وقاله أبو قلابة وعكرمة ، ولكن لا تتزوج حتى تضع الآخر منهما ، وهذا شاذ مخالف لظاهر الكتاب وقول أهل العلم . واحتج القاضي ، والأزجي بأن أول النفاس من الأول وآخره منه بأن أحكام الولادة تتعلق بأحد الولدين ; لأن انقطاع الرجعة ، وانقضاء العدة تتعلق بأحدهما ، لا بكل واحد منهما ، كذلك مدة النفاس ، وفيه نظر ، فلو وضعت واحدا وشكت في آخر لم تنقض عدتها حتى تزول الريبة . ( والحمل الذي تنقضي به العدة ) ما تصير به أم ولد ، وهو ( ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان ) كالرأس [ ص: 110 ] واليد ، والرجل فتنقضي به العدة إجماعا ، حكاه ابن المنذر ; لأنه علم أنه حمل فيدخل في عموم النص .

                                                                                                                          الثاني : ألقت مضغة لم يتبين فيها شيء من الخلقة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بان بها أنها خلقة آدمي ، فكذلك ( فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة ؛ على روايتين ) . هذا هو الثالث ، وفيه روايتان : أحدهما : تنقضي . وجزم به في " الوجيز " وغيره كما لو تصور . والثانية : لا ، قدمها في " الكافي " ، وذكر أنه المنصوص ، وهي اختيار أبي بكر ; لأنه لم يصر ولدا ، أشبه العلقة .

                                                                                                                          الرابع : ألقت نطفة ، أو دما ، لا تدري هل هو ما يخلق منه آدمي ، أو لا ؛ فهذا لا يتعلق به شيء من الأحكام ; لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ، ولا بالبينة .

                                                                                                                          الخامس : إذا وضعت مضغة ، لا صورة فيها ، ولم تشهد القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي لم تنقض ، ولا تنقضي بما قبل المضغة ، لا نعلم فيه خلافا إلا الحسن ، قال : إذا علم أنه حمل انقضت به ، وفيه الغرة . ( وإن أتت بولد ، لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل ) ومجبوب ومطلقة عقب عقد ، ومن أتت به لدون نصف سنة منذ عقد عليها . ( لم تنقض عدتها به ) نص عليه ; لأنه حمل ليس منه يقينا ، فلم يعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته ، فعلى هذا تعتد بالأشهر . ( وعنه : تنقضي به ) لأنه حمل فيدخل في عموم النص ( وفيه بعد ) . ووجهه أن شرط انقضاء [ ص: 111 ] العدة بالحمل أن يكون حمل المفارق ، وهذا ليس حملا منه ضرورة أنه لا يلحقه نسبه . وعنه : من غير طفل للحوقه باستلحاقه ، وقيل : تنقضي به العدة ، ولا يلحقه . وفيه نظر ( وأقل مدة الحمل ستة أشهر ) . وفاقا لما روى الأثرم ، والبيهقي ، عن أبي الأسود ، أنه رفع إلى عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر ، فهم عمر برجمها ، فقال له علي : ليس لك ذلك ، قال الله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين [ البقرة : 233 ] . وقال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا [ الأحقاف : 15 ] فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا ، لا رجم عليها . فخلى عمر سبيلها ، وقال ابن عباس كذلك . رواه البيهقي ، وذكر ابن قتيبة أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر ( وغالبها تسعة ) أشهر ; لأن غالب النساء كذلك يحملن ، وهذا أمر معروف بين الناس ، ( وأكثرها أربع سنين ) في ظاهر المذهب ، وقاله أكثر العلماء ; لأن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود ، وقد وجد أربع سنين ، فروى الدارقطني عن الوليد بن مسلم ، قلت لمالك بن أنس ، عن حديث عائشة ، قالت : لا تزيد المرأة في حملها على سنتين ، فقال : سبحان الله من يقول هذا هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة . وقال الشافعي : بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين . وقال أحمد : نساء بني عجلان تحمل أربع سنين . وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ، ولا يزاد عليه لعدم وجوده . ( وعنه : سنتان ) ، اختارهأبو بكر وغيره ، وقدمه في " الرعاية " لما روى الدارقطني بإسناد جيد ، عن جميلة بنت سعد ، قالت : قالت عائشة : لا تزيد المرأة في الحمل على سنتين . رواه سعيد ، والبيهقي ، وقد أنكره مالك .

                                                                                                                          [ ص: 112 ] ( وأقل ما يتبين به الولد أحد وثمانون يوما ) وهو أقل ما تنقضي به العدة من الحمل ، وهو أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها ; لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ولا شك أن العدة لا تنقضي بما دون المضغة ، فوجب أن يكون بعد الثمانين ، فأما بعد أربعة أشهر فليس فيه إشكال . وقيل : بل ثمانون ولحظتان ، وهو إذن مضعة غير مصور ، ويصور بعد أربعة أشهر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية