الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : ودية العبد ، والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت . وعنه : لا يبلغ بها دية الحر ، وفي جراحه إن لم يكن مقدرا من الحر ما نقصه ، وإن كان مقدرا في الحر فهو مقدر في العبد من قيمته ففي يده نصف قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته ، نقصته الجناية أقل من ذلك ، أو أكثر ، وعنه : أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال . ومن نصفه حر ففيه نصف دية حر ونصف قيمته وهكذا في جراحه ، وإن قطع خصيتي عبد ، أو أنفه ، أو أذنيه لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملكه عنه ، وإن قطع ذكره ، ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر ، وقيمته مقطوع الذكر . وملك سيده باق عليه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ودية العبد ، والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت ) أي : يضمن الرقيق في العمد ، والخطأ بقيمته من نقد البلد ، وإن كثرت في المشهور عنه ، وهو قول سعيد ، ، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز ; لأنه مال متقوم فيضمن بكمال قيمته بالغة ما بلغت كالفرس ويخالف الحر ، فإنه يضمن بما قدره الشارع ، فلم يتجاوزه ، ولأنه ليس بضمان مال بدليل أنه لم يختلف باختلاف صفاته ، وهذا ضمان مال يزيد بزيادة الملكية وينقص بنقصانها فاختلفا ، وحكم المدبر وأم الولد ، والمكاتب ، والمعلق عتقه بصفة كذلك ، قال الخطابي : أجمع الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم إلا النخعي ، فإنه قال : يودى بقدر ما أدى من [ ص: 354 ] كتابته دية حر ، وما بقي دية عبد ( وعنه : لا يبلغ بها دية الحر ) لأن الحر أشرف منه ، ولأنه - تعالى - لما أوجب في الحر دية لا تزيد ، وهو أشرف لخلوه من نقص الرق كان تنبيها على أن العبد المنقوص لا يزاد عليها ( وفي جراحه إن لم يكن مقدرا من الحر ) كالعصعص وخرزة الصلب ( ما نقصه ) بعد البرء بغير خلاف نعلمه ; لأن حق المجني عليه ينجبر ، فلا تجب الزيادة ( وإن كان مقدرا في الحر ) كاليد ، والرجل ، والموضحة ( فهو مقدر من العبد من قيمته ) قدمها في " المستوعب " ، و " الكافي " وروي عن علي ، قال أحمد : هذا قول سعيد بن المسيب ; لأن قيمته كدية الحر ( ففي يده نصف قيمته ) لأن الواجب فيها من الحر نصف الدية ( وفي موضحته نصف عشر قيمته ) لأن الواجب فيها من الحر خمس من الإبل ( نقصته الجناية أقل من ذلك ، أو أكثر ) لأنه ساوى الحر في ضمان الجناية بالقصاص والكفارة ، فساواه في اعتبار ما دون النفس ببدل النفس كالرجل ، والمرأة ( وعنه : أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال ) قدمها في " الرعاية " ، وجزم بها في " الوجيز " ، قال أحمد : إنما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس ; لأن ضمانه ضمان الأموال فيجب فيه ما نقص كالبهائم ، وذكر في " المغني " ، و " الشرح " أن هذه الرواية أقيس وأولى ; لأن القياس على الحر غير صحيح لعدم المساواة بينهما ، فعلى الأولى إن بلغت الجناية ثلث قيمتها احتمل أن ترد إلى النصف ، فيكون في ثلاثة أصابع ثلاثة أعشار قيمتها ، وفي أربعة أصابع خمسها كالحرة ، فإذا بلغت الثلث ردت إلى النصف واحتمل ألا [ ص: 355 ] ترد ; لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل لكون الأصل زيادة الأرش بزيادة الجناية ، وأن كل ما زاد نقصها وضررها ، زاد في ضمانها ، فإذا خولف في الحرة بقينا في الأمة على وفق الأصل ( ومن نصفه حر ) فلا قود عليه ; لأنه ناقص بالرق ، أشبه ما لو كان كله رقيقا ، وإن كان قاتله عبدا أقيد منه ; لأنه أكمل من الجاني ، وإن كان القاتل نصفه حر أوجب القود لتساويهما ، وإن كانت الحرية في القاتل أكثر لم يجب القود لعدم التساوي ( ففيه نصف دية حر ونصف قيمته ) أي : إذا قتله حر عمدا ، ضمن نصف دية حر ونصف قيمته ، وإن قتله خطأ فعليه نصف قيمته ، وعلى عاقلته نصف ديته ; لأنها دية حر في الخطأ ( وهكذا في جراحه ) أي : إذا كان قدر الدية من أرشها بلغ ثلث الدية ، مثل أن يقطع أنفه ، أو يديه ، فإن قطع إحدى يديه فالجميع على الجاني ; لأن نصف دية اليد ربع ديته ، فلا تحملها العاقلة لنقصها عن الثلث ، ذكره في " الشرح " ( وإنقطع خصيتي عبد ، أو أنفه ، أو أذنيه لزمته قيمته ) أي : قيمة العبد ; لأن القيمة بدل عن الدية ( للسيد ) لأنها بدل ، عن الأعضاء المملوكة للسيد ( ولم يزل ملكه عنه ) لأنه لم يوجد سبب يقتضي الزوال ، فوجب بقاؤه على ملكه عملا باستصحاب الحال ; لأن قطع يد العبد منزل منزلة تلف بعض ماله ( وإن قطع ذكره ، ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر ) لأن الواجب في ذلك من الحر دية كاملة ( وقيمته مقطوع الذكر ) لأن الواجب في قطع الخصيتين من الحر بعد الذكر دية كاملة ، لا يقال : القيمة هنا نقصت ; لأن المؤلف قيدها بقطع الذكر ، بخلاف الحر ، فإنهما سواء ; لأن القيمة في مقابله ، لكنها تزيد وتنقص ، بخلاف الدية [ ص: 356 ] ( وملك سيده باق عليه ) لما مر ، وفي ذلك اختلاف يلزمه ما نقص من قيمته ، وفي سمعه وبصره ، أو أنفه وأذنيه قيمتاه مع بقاء ملك السيد ، قال ابن حمدان : فإن أذهب إحداهما أولا غرم قيمته كاملا ، ثم قيمته ناقصا .

                                                                                                                          فرع : إذا جرح اثنان في وقتين عبدا ، أو حيوانا ، ولم يوجباه ، ثم سرى الجرحان ، فقال القاضي : يلزم كل واحد منهما ما نقصه بجرحه من قيمته ويتساويان في بقيتها ، قال المجد : وعندي يلزم الثاني نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول ، ويلزم الأول تتمة قيمته سلفا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية