الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا ) إجمال أيضا ( في ) قوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة إلا بطهور } ( ونحوه ) ك { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب } { لا نكاح إلا بولي } { لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } والمراد هنا من هذه الأحاديث ونحوها مما فيه نفي ذوات واقعة : تتوقف الصحة فيها على إضمار شيء . فالجمهور على أنها ليست مجملة ، بناء على القول بثبوت الحقائق الشرعية . فإنه إذا اختل منها شرط أو ركن صح نفيه حقيقة . لأن الشرعي هو تام الأركان متوفر الشروط . ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته { ارجع فصل . فإنك لم تصل } وإذا كان المراد من النفي نفي الحقيقة ، فلا يحتاج إلى إضمار . فلا إجمال ( ويقتضي ذلك ) وهو كونه ليس مجملا ( نفي الصحة ) قال ابن مفلح : وجه عدم الإجمال : أن عرف الشارع فيه نفي الصحة ، أي لا عمل شرعي ، وإن لم يثبت بعرف اللغة ، نحو : لا علم إلا ما نفع ، ولا بلد إلا بسلطان " ولا حكم إلا لله " ولو قدر عدمها ، وأنه لا بد من إضمار . فنفي الصحة أولى . لأنه يصير كالعدم . فهو أقرب إلى نفي الحقيقة المتعذرة . وليس هذا إثباتا للغة بالترجيح ، بل إثباتا لأولوية أحد المجازات ، كالصحة والكمال والإجزاء بعرف استعمال انتهى . وقيل : إنه مجمل . لأنه متردد بين اللغوي والشرعي . وقيل : لأن حمله على نفي الصورة باطل . فتعين حمله على نفي الحكم . والأحكام متساوية ( وعمومه من الإضمار ) أي مبني على دلالة الإضمار على ما تقدم من دلالة الاقتضاء . والإضمار على الصحيح . وقيل : عام في نفي الوجود والحكم . وقيل : عام في نفي الصحة والكمال ( ومثله ) أي مثل قوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة إلا بطهور } ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات } قال الطوفي في شرحه : قال صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات } من هذا الباب . لأن الأعمال مبتدأ ، وخبره محذوف . واختلفوا : هل هو الصحة ؟ فيكون التقدير : إنما الأعمال صحيحة ، أو الكمال ؟ فيكون تقديره : إنما الأعمال كاملة . قال : والأظهر إضمار الصحة ( وما استعمل ) أي وأي لفظ استعمل ( لمعنى ) واحد ( تارة ) واستعمل ( لآخرين ) تارة ( أخرى . [ ص: 433 ] ولا ظهور ) في واحد منها مجمل في ظاهر كلام أصحابنا . وقاله الغزالي وابن الحاجب وجمع . وقال الآمدي : ظاهر في المعنيين . وحكاه عن الأكثر . وجه إجماله : تردده بين المعنى والمعنيين . ومحله : إذا لم تقم قرينة على المراد . وفي المسألة قول ثالث . وهو أن ينظر : إن كان المعنى أحد المعنيين عمل به جزما ، لوجوده في الاستعمالين . ويوقف الآخر للتردد فيه . وهذا اختيار التاج السبكي في جمع الجوامع . قال المحلي : هذا ما ظهر له ، والظاهر : أنه مرادهم أيضا . ثم قال : مثال الأول : حديث رواه مسلم { لا ينكح المحرم ولا ينكح } بناء على أن النكاح مشترك بين العقد والوطء . فإنه إن حمل على الوطء استفيد منه معنى واحد وهو أن المحرم لا يطأ ولا يوطأ أي لا يمكن غيره من وطئه . وإن حمل على العقد استفيد منه معنيان بينهما قدر مشترك ، وهو أن المحرم لا يعقد لنفسه ولا يعقد لغيره . ومثال الثاني : حديث مسلم أيضا " { الثيب أحق بنفسها من وليها } أي بأن تعقد لنفسها أو تأذن لوليها فيعقد لها ولا يجبرها . وقد قال بصحة عقدها لنفسها أبو حنيفة ، وبعض أصحاب الشافعي ، لكن إذا كانت في مكان لا ولي فيه ولا حاكم ( وما له ) أي وأي لفظ له ( مجمل ) لغة وشرعا ، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { الطواف بالبيت صلاة } فإنه يحتمل أنه كالصلاة في الأحكام . ويحتمل أنه صلاة لغة .

لأن معناها لغة : الدعاء . فسمي صلاة ، لما فيه من الدعاء . فعند أصحابنا وأكثر العلماء : يحمل على المحمل الشرعي . لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لتعريف الأحكام لا اللغة . وفائدة التأسيس أولى . وأيضا ليس في الطواف حقيقة الصلاة الشرعية . فكان مجازا . والمراد : أن حكمه حكم الصلاة في الطهارة والنية وستر العورة وغيرها . ويدل على ذلك قوله في بقية الحديث { إلا أن الله أحل فيه الكلام } فدل على أن المراد كونه صلاة في الحكم إلا ما استثني ، ولأنه إذا تعذر المسمى الشرعي للفظ حقيقة رد إليه بتجوز ، محافظة على الشرعي ما أمكن . وقيل : إن ذلك مجمل لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي ، أو يحمل على المعنى اللغوي ، تقديما للحقيقة على المجاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية