الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب السلمي عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قالوا وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال وإن كان قضيبا من أراك وإن كان قضيبا من أراك وإن كان قضيبا من أراك قالها ثلاث مرات

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1435 1404 - ( مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ) بن يعقوب الجهني أحد الثقات الأثبات تابعي صغير ، رأى أنسا ، ومات سنة تسع وثلاثين ومائة ( عن معبد بن كعب السلمي ) بفتحتين ، نسبة إلى بني سلمة من الأنصار ، المدني التابعي الثقة ، قال ابن عبد البر : وقول بعض الرواة محمد بن كعب القرظي خطأ ، إنما هو معبد بن كعب بن مالك الأنصاري ( عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ) المدني الثقة ، ويقال : له رؤية ، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين ، وأبوه صحابي شهير ، أحد الثلاثة الذين خلفوا ( عن أبي أمامة ) ليس هو الباهلي إنما هو الأنصاري ، أحد بني حارثة ، قيل اسمه إياس بن ثعلبة وقيل ثعلبة بن سهل ، قاله أبو عمر ، وفي الإصابة : اسمه عند الأكثر إياس ، وقيل عبد الله ، وبه جزم أحمد بن حنبل ، وقيل ثعلبة ، وقيل سهل ، ولا يصح غير إياس ، وهو ابن أخت أبي بردة بن نيار ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منها في مسلم والسنن ، وروى عنه جماعة ، خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فرده من أجل أمه فوجدها ماتت فصلى عليها . أخرجه أبو أحمد الحاكم ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اقتطع ) [ ص: 25 ] افتعل من القطع ( حق امرئ مسلم ) جرى على الغالب ، وكذلك الذمي والمعاهد ( بيمينه ) بحلفه الكاذب ( حرم ) منع ( الله عليه الجنة وأوجب له النار ) إن استحل أو إن لم يعف عنه ، أو هو وعيد شديد ويجوز تخلفه كما مر ( قالوا : وإن كان الحق شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيبا ) فعيل بمعنى مفعول ، أي غصنا مقطوعا ( من أراك ) شجر يستاك بقضبانه ، الواحدة أراكة ، ويقال هي شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق والأغصان ولها ثمر في عناقيد يسمى البرير ، بموحدة ، وزان أمير ، يملأ العنقود الكف ( وإن كان قضيبا ) وفي رواية : وإن كان سواكا ( من أراك ، وإن كان قضيبا من أراك ، قالها ثلاث مرات ) زيادة في التنفير لئلا يتهاون بالشيء اليسير ، ولا فرق بين قليل الحق وكثيره في التحريم ، أما في الإثم فالظاهر أنه ليس من اقتطع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة كمن اقتطع الدرهم والدرهمين ، وهذا خرج مخرج المبالغة في المنع وتعظيم الأمر وتهويله ، بدليل تأكيد تحريم الجنة وإيجاب النار ، وأحدهما يستلزم الآخر ، والحال يقتضي هذا التأكيد لأن فاعل ذلك أبلغ في الاعتداء الغاية حيث اقتطع حق امرئ لم يكن له فيه سبيل ، واستخف بحرمة واجبة الرعاية وهي حرمة الإسلام ، وأقدم على اليمين الفاجرة ، واختلف هل قوله " مسلم " قيد فلو اقتطع حق كافر لا يستحق هذا الوعيد ، أو ليس بقيد بل ورد لبيان أن رعاية حق المسلم أشد لأن حرمة حق المسلم أقوى ؟ وقيل إنما ذكره للدلالة على أن حق الكافر أوجب رعاية ، فإن إرضاء المسلم بإدخاله الجنة يوم القيامة أمر ممكن ، فيجوز أن يرضي الله خصمه فيعفو عن ظالمه ، وأما إرضاء الكافر فغير ممكن فيكون الأمر صعبا ، فإذا كان حق من يتصور الخلاص من ظلمه واجب الرعاية فحق من لا يتصور أولى .

                                                                                                          وقال عياض : الحديث خرج مخرج الغالب ، فالمسلم وغيره سواء . وقال النووي : هما سواء في حرمة القطع . فأما في العقوبة فينبغي أن حق الكافر أخف ، قال الآبي : واختاره الشيخ ، يعني ابن عرفة ، ووجهه بما ثبت من رفع درجة المسلم على الكافر ، بدليل أنه يقتل به وغير ذلك . قال أبو عمر : فيه أن اليمين الغموس - وهي اليمين الصبر التي يقتطع بها مال مسلم - من الكبائر ; لأن كل ما أوعد الله أو رسوله عليه فهو من الكبائر ولا كفارة في ذلك ، وعليه أن يؤدي ما اقتطعه من المال ثم يتوب إلى الله ويستغفره ، عند مالك وأبي حنيفة وجمهور فقهاء الأمصار . وقال الشافعي والأوزاعي ومعمر وطائفة : يكفر بعد خروجه مما عليه ، ويدل للأول ما جاء عن ابن مسعود ، قال : " كنا نعد من الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس : أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذبا " . . اهـ .

                                                                                                          وهذا [ ص: 26 ] الحديث تابع مالكا عليه إسماعيل بن جعفر عن العلاء عند مسلم ، ورواه النسائي وابن ماجه من طريق مالك وغيره .




                                                                                                          الخدمات العلمية