الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1597 1539 - ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها ) أي عن شربها حتى مات وفي لفظ ثم إشعار بأن تراخي التوبة لا يمنع قبولها ما لم يغرغر ( حرمها ) بضم الحاء المهملة وكسر الراء الخفيفة من الحرمان أي منع من شربها ( في الآخرة ) ولمسلم من طريق أيوب عن نافع : [ ص: 271 ] " فمات وهو لم يشربها في الآخرة " قال ابن العربي : ظاهر الحديث أنه لا يشربها في الجنة وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به ، فحرمه عند ميقاته كالوارث إذا قتل مورثه فإنه يحرم ميراثه لاستعجاله ، وبهذا قال نفر من الصحابة ومن العلماء وهو موضع احتمال وتوقف وإشكال والله أعلم ، كيف يكون الحال .

                                                                                                          وقال القرطبي : نقول بظاهره أنه يحرم ذلك وإن دخل الجنة إذا لم يتب لاستعجال ما أخر الله له في الآخرة ، وارتكاب ما حرم عليه في الدنيا .

                                                                                                          وقد أخرج الطيالسي بسند صحيح ، وابن حبان ، والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ، ولم يلبسه هو " قال : فهذا نص صريح إن كان كله مرفوعا ، وإن كانت الجملة الأخيرة مدرجة من كلام الراوي فهو أعرف بالحديث ، وأعلم بالحال ، ومثله لا يقال من قبل الرأي ، وقيل : إن الحديث مؤول على حرمانه وقت تعذيبه في النار ، فإذا خرج منها بالشفاعة أو بالرحمة العامة وأدخل الجنة لم يحرم شيئا منها لا خمرا ولا حريرا ولا غير ذلك ; لأن حرمان شيء من ذلك لمن هو في الجنة يعد عقوبة ومؤاخذة ، والجنة ليست بدار عقوبة ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه ، وهذا ضعيف يرده حديث أبي سعيد ، والجواب عما قالوه أنه لا يشتهي ذلك كما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه ، ولا يكون ذلك في حقه عقوبة انتهى .

                                                                                                          وقال ابن المنير ، معناه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه ، كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة ، فالمعنى جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه ، قال : وجائز أن يدخلها بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرا ولا تشتهيها نفسه وإن علم وجوده فيها ، ويدل له حديث أبي سعيد المذكور ، قال الحافظ : وفصل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلا فهو الذي لا يشربها أصلا ; لأنه لا يدخل الجنة وبين من يشربها عالما بتحريمها فهو محل الخلاف ، فقيل إنه الذي يحرم شربها مدة ولو حال تعذيبه إن عذب أو المعنى أن ذلك جزاؤه إن جوزي ، قال الحافظ : وأعدل الأقوال أن الفعل المذكور يقتضي العقوبة المذكورة ، وقد يتخلف ذلك لمانع كالتوبة والحسنات التي توزن والمصائب التي تكفر ، وكدعاء الولد بشرائط ذلك ، وكذا شفاعة من يؤذن له في الشفاعة ، وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين .

                                                                                                          وفي حديث الباب : أن التوبة من الذنب مكفرة له .

                                                                                                          وبه صرح الكتاب والسنة ، وهو مقطوع به في الكفر ، أما غيره فهل هو مقطوع أو مظنون قولان .

                                                                                                          قال القرطبي : والذي أقوله أن من استقرأ الشريعة قرآنا وسنة علم القطع واليقين أن الله يقبل توبة الصادقين .

                                                                                                          وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى [ ص: 272 ] النيسابوري والقعنبي كلهم عن مالك به ، وتابعه عبيد الله وموسى بن عقبة ، وأيوب وشعبة عن نافع بنحوه عند مسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية