الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب صدقة الحي عن الميت

                                                                                                          حدثني مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده أنه قال خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فحضرت أمه الوفاة بالمدينة فقيل لها أوصي فقالت فيم أوصي إنما المال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم سعد فلما قدم سعد بن عبادة ذكر ذلك له فقال سعد يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال سعد حائط كذا وكذا صدقة عنها لحائط سماه [ ص: 102 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 102 ] 41 - باب صدقة الحي عن الميت

                                                                                                          وفي نسخة " على " بدل " عن " ، وكلاهما حسن .

                                                                                                          1489 1444 - ( مالك عن سعيد ) بفتح السين وكسر العين بعدهما تحتية ، قال ابن عبد البر : هكذا قال يحيى وابن وهب وابن القاسم وابن بكير والأكثر : سعد ، أي بسكون العين بلا ياء ، قال : والصواب الأول ( ابن عمرو ) بفتح العين ( ابن شرحبيل ) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وإسكان المهملة وكسر الموحدة وإسكان التحتية ولام ( ابن سعيد ) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى ، وهو الصواب وصحفه ابنه عبد الله فقال : عن سعيد ( ابن سعد بن عبادة ) الأنصاري المدني ، ثقة عدل ، من شيوخ الإمام ، له عنه في مرفوع الموطأ هذا الحديث الواحد ( عن أبيه ) عمرو الأنصاري الخزرجي الثقة ( عن جده ) ثقة ، أو أراد جده الأعلى سعيد بن سعد بن عبادة ، أو ضمير جده لعمرو بن شرحبيل فيكون متصلا ، ولذا قال ابن عبد البر : هذا الحديث مسند لأن سعيد بن سعد بن عبادة له صحبة روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنيف وغيره ، وشرحبيل ابنه غير نكير أن يلقى جده سعد بن عبادة . وقد رواه عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة عن مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن أبيه عن جده عن سعد بن عبادة أنه خرج الحديث . وهذا يدل على الاتصال وهو الأغلب منه ، وكذا رواه الدراوردي عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه أن أمه توفيت ، الحديث . أخرج الطريقين في التمهيد ، وإنما يتم له أن ما في الموطأ موصول بجعل ضمير جده عائدا على عمرو بن شرحبيل فيكون جده سعيد بن سعد بن عبادة ، وهو صحابي ابن صحابي ، أما إذا عاد الضمير على سعيد بن عمرو شيخ مالك فمرسل; لأن جده شرحبيل تابعي ، إلا أن يريد جده الأعلى فيكون موصولا . ولوح لهذا في فتح الباري بقوله : الراوي في الموطأ سعيد بن سعد بن عبادة أو ولده شرحبيل مرسلا ( أنه قال : خرج سعد بن عبادة ) سيد الخزرج ، أحد النقباء والأجواد المتوفى سنة خمس عشرة بالشام ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ) هي غزوة دومة الجندل وكانت في ربيع الأول [ ص: 103 ] سنة خمس ، كما في طبقات ابن سعد ( فحضرت أمه ) مفعول فاعله ( الوفاة بالمدينة ) وهي عمرة بنت مسعود ، وقيل بنت سعد بن قيس بن عمرو الخزرجية ، أسلمت وبايعت ( فقيل لها : أوصي ) بشيء ( فقالت : فيم ) أي في أي شيء ( أوصي ) ولا مال لي ( إنما المال مال سعد ) ابني ( فتوفيت قبل أن يقدم سعد ) من الغزو ( فلما قدم سعد بن عبادة ذكر ) بضم الذال وكسر الكاف ( ذلك ) الذي قالت أمه ( له ) لسعد ( فقال سعد : يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها ) بشيء ، زاد في رواية : إنها كانت تحب الصدقة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ) ينفعها ذلك عند الله فضلا منه تعالى على المؤمنين أن يدركهم بعد موتهم عمل البر والخير بغير سبب منهم ولا يلحقهم وزر يعمله غيرهم ولا شر إن لم يكن لهم فيه سبب يسنونه أو يبتدعونه فيعمل به بعدهم ، وقد قام الإجماع على انتفاع الميت بصدقة الحي عنه وكفى به حجة ، قاله في التمهيد . زاد في فتح الباري : لا سيما إذا كان من الولد وهو مخصص لعموم قوله تعالى : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ( سورة النجم : الآية 39 ) ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور خلافا للمشهور عند المالكية ، واختلف في غير الصدقة من أعمال البر : هل يصل إلى الميت كالحج والصوم ؟ اهـ . لكن ما قال إنه المشهور ليس بمعروف ، فنص المدونة وغيرها أنه يتطوع عنه بالعتق . ( فقال سعد : حائط ) أي بستان ( كذا وكذا صدقة عنها ) يشير بكذا وكذا ( لحائط سماه ) وفي البخاري عن عكرمة عن ابن عباس قال سعد : فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها . وهو بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة آخره فاء ، اسم للحائط أو وصف له بالثمر سمي بذلك لما يخترف منه ، أي يجنى من الثمر ، وفيه المسارعة إلى عمل البر والمبادرة إلى بر الوالدة ، وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرا من إخفائها إذا صدقت النية والجهاد في حياة الأم ، وهو محمول على أنه استأذنها ، وفيه ما كانت الصحابة عليه من استشارته صلى الله عليه وسلم من أمور الدين . وأسند ابن عبد البر عن أنس قال : " قال سعد بن عبادة : يا رسول الله إن أم سعد كانت تحب الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال : نعم ، وعليك بالماء " . وأخرج أيضا عن سعيد بن سعد بن عبادة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعدا أن يسقي عنها الماء " . وفي رواية النسائي أنه قال : " أينفعها أن أعتق عنها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : أعتق عن أمك " . وطريق الجمع أنه تصدق عنها بالحائط من تلقاء نفسه ، والماء والعتق [ ص: 104 ] بأمره صلى الله عليه وسلم له بعد سؤاله عنهما . ففي رواية للنسائي أيضا : " إن أمي ماتت أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم ، قلت : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : سقي الماء " . ومر في النذور شيء من هذا .




                                                                                                          الخدمات العلمية