الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        34547 - قال مالك : إذا كاتب القوم جميعا كتابة واحدة ، ولا رحم بينهم يتوارثون بها ، فإن بعضهم حملاء عن بعض ، ولا يعتق بعضهم دون بعض حتى يؤدوا الكتابة كلها ، فإن مات أحد منهم وترك مالا هو أكثر من جميع ما عليهم أدي عنهم جميع ما عليهم ، وكان فضل المال لسيده ، ولم يكن لمن كاتب معه من فضل المال شيء ، ويتبعهم السيد بحصصهم التي بقيت عليهم ، من الكتابة التي قضيت من مال الهالك ، لأن الهالك إنما كان تحمل عنهم ، فعليهم أن يؤدوا ما عتقوا به من ماله ، وإن كان للمكاتب الهالك ولد حر لم يولد في الكتابة ، ولم يكاتب عليه ، لم يرثه ; لأن المكاتب لم يعتق حتى مات .

                                                                                                                        [ ص: 278 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 278 ] 34548 - قال أبو عمر : قد تقدم أن العبيد إذا كاتبهم سيدهم كتابة واحدة ، فهم عند مالك حملاء بعضهم عن بعض ، وسواء كانت بينهم رحم يتوارثون بها أو لم تكن ، إلا الذين بينهم رحم يتوارثون بها ، إذا مات أحدهم ، وترك من المال أكثر مما تؤدى منه الكتابة ، أديت منه ، وما فضل ورثوه عنه بأرحامهم ، وبأنهم مساون في الحال ، ولا يرثه الولد الحر ; لأنه مات عبدا .

                                                                                                                        34549 - وعند الشافعي ، لا يرثه أحد من ورثته كانوا معه في الكتابة ، أو كانوا أحرارا قبل ذلك لأنهم حين مات عبيد ، ومات هو عبدا ، فماله للسيد .

                                                                                                                        34550 - وعند الكوفيين ; يعتق ماله الذي ترك ، ويرثه الأحرار من ولده .

                                                                                                                        34551 - وقد تقدم ذكر ذلك كله .

                                                                                                                        34552 - وأما إذا لم تكن بينهم رحم يتوارثون بها ، فهم رحماء عند مالك .

                                                                                                                        34553 - روى الحكم ما وصف ، وهو على أصله كلام صحيح ، يعتقون في ذلك الحال ، ويضمنون به ما يعتقون من السيد ، من أجل الحمالة ; لأنه مال مكاتب له كان عبدا قبل أن يؤدي ما عليه ، وهو مال السيد بعد أن يؤدي منه ما تحمله عن من معه في الكتابة ، فيعتق به ، ويغرم ذلك للسيد .

                                                                                                                        34554 - وأما الشافعي : فلا يكون واحد منهم عنده حميلا على صاحبه ، والمال كله للسيد ، ويسعون في حصصهم على قدر قيامهم ، فإن أدوا ذلك عتقوا بشرط الكتابة ، وإلا فهم عبيد إن عجزوا عن الأداء . [ ص: 279 ] 34555 - وعند الكوفيين : لا يكونون حملاء ، إلا أن يشترط ذلك عليهم السيد في الكتابة ، ولم يختلفوا في مكاتب أو مكاتبة كاتبت على بنيها ، فأدت جميع الكتابة ; عنها وعنهم ، أو أدى الكتابة منهم ، أنه لا يرجع من أداها منهم بشيء على غيره ; لأنه لا يرجع على من يعتق عليه .

                                                                                                                        34556 - قال أبو عمر : القياس أن لا تصح حمالة المكاتبين بعضهم عن بعض ، كما لا تصح حمالة الأجنبية عنهم ; لأن الكتابة ليست بثابتة لعوضها ، بالموت والعجز أيضا ، ولا يضرب بما حمل منها السيد مع الغرماء ، عند جمهور العلماء .

                                                                                                                        34557 - وهو قول الثلاثة الفقهاء أئمة الفتوى : مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم .

                                                                                                                        34558 - ومعلوم أنه إذا كان العبد مكاتبا له ما بقي عليه شيء من كتابته ، ومات قبل أن يؤديها ، فقد مات عبدا ، إذا لم يؤد كتابته كلها ، وإذا مات عبدا ، فماله لسيده ، فكيف يؤدي من مال السيد عن بني مكاتبه ؟ وهم لم يستحقوا ميراثا ، وقد أجمعوا أن العبد لا يرثه حر ، ولا عبد ، وأن ماله لسيده ، وأجمعوا أن الميراث إنما يستحق بالموت في حينه ، فكيف يعتق من معه من ورثته بالأداء عنهم من ماله بعد وفاته ويرثونه بعد ؟ هذا محال ; لأنه لا يخلو أن يكونوا أحرارا حين مات أبوهم ، أو عبيدا حين مات ، ثم عتقوا بعد فأحرى أن لا يرثوه . [ ص: 280 ] 35559 - وهذا قول عمر ، وابنه عبد الله بن عمر ، وسالم ، والقاسم ، وقتادة ، وجماعة ، وهو قول الشافعي ، وابن شهاب ، والله الموفق للصواب . 35560 - وقد أجمع الفقهاء أن المكاتب عبد ما بقي من كتابته شيء ، وأنه إن مات في حياة سيده ، أو بعد وفاته ، ولم يترك وفاء ، الكتابة أنه مات عبدا ، وما يخلفه من مال ، فلسيده ، وإنما اختلفوا إذا ترك من المال وفاء بالكتابة وفضلا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية