الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        34870 - قال مالك في رجل كاتب عبده عند موته ، أنه يقوم عبدا ، فإن كان في ثلثه سعة لثمن العبد ، جاز له ذلك .

                                                                                                                        34871 - قال مالك : وتفسير ذلك ، أن تكون قيمة العبد ألف دينار ، فيكاتبه سيده على مائتي دينار عند موته ، فيكون ثلث مال سيده ألف دينار ،

                                                                                                                        [ ص: 350 ] فذلك جائز له ، وإنما هي وصية أوصى له بها في ثلثه ، فإن كان السيد قد أوصى لقوم بوصايا ، وليس في الثلث فضل عن قيمة المكاتب بدئ بالمكاتب ; لأن الكتابة عتاقة ، والعتاقة تبدأ على الوصايا ، ثم تجعل تلك الوصايا في كتابة المكاتب ، يتبعونه لها ، ويخير ورثة الموصي ، فإن أحبوا أن يعطوا أهل الوصايا وصاياهم كاملة ، وتكون كتابة المكاتب لهم ، فذلك لهم وإن أبوا وأسلموا المكاتب وما عليه إلى أهل الوصايا ، فذلك لهم ; لأن الثلث صار في المكاتب ، ولأن كل وصية أوصى بها أحد ، فقال الورثة : الذي أوصى به صاحبنا أكثر من ثلثه ، وقد أخذ ما ليس له ، قال : فإن ورثته يخيرون ، فقال لهم : قد أوصى صاحبكم بما قد علمتم ، فإن أحببتم أن تنفذوا ذلك لأهله ، على ما أوصى به الميت ، وإلا فأسلموا أهل الوصايا ثلث مال الميت كله .

                                                                                                                        34872 - قال : فإن أسلم الورثة المكاتب إلى أهل الوصايا ، كان لأهل الوصايا ما عليه من الكتابة ، فإن أدى المكاتب ما عليه من الكتابة أخذوا ذلك في وصاياهم على قدر حصصهم ، وإن عجز المكاتب كان عبدا لأهل الوصايا ، لا يرجع إلى أهل الميراث ; لأنهم تركوه حين خيروا ، ولأن أهل الوصايا حين أسلم إليهم ضمنوه ، فلو مات لم يكن لهم على الورثة شيء ، وإن مات المكاتب قبل أن يؤدي كتابته ، وترك مالا هو أكثر مما عليه فماله لأهل الوصايا ، وإن أدى المكاتب ما عليه عتق ، ورجع [ ص: 351 ] ولاؤه إلى عصبة الذي عقد كتابته .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        34873 - قال أبو عمر : أما قوله في رجل كاتب عبده عند موته أنه يقوم عبدا ، فإن كان في ثلثه سعة لثمن العبد جاز ذلك ، فعلى هذا جمهور العلماء .

                                                                                                                        34874 - وشذ أهل الظاهر فقالوا ذلك في رأس ماله ، وكذلك عندهم كل عطية بتلة في المرض .

                                                                                                                        34875 - والحجة عليهم حديث عمران بن حصين في الذي أعتق ستة أعبد له عند موته لا مال له غيرهم ، فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين ، وأرق أربعة .

                                                                                                                        34876 - فهذه قضية رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فعل المريض في ماله إذا مات من مرضه ذلك ، حكمه حكم الوصايا .

                                                                                                                        34877 - وسنذكر هذا الحديث وما فيه من المعاني لسائر العلماء في موضعه إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        34878 - وأما قوله : إن كان في ثلثه سعة لثمن العبد ، فذلك جائز - يعني للعبد - ، وإنما هو وصية أوصى له بها في ثلثه ، كأنه يعني أوصى له بثمانمائة [ ص: 352 ] دينار ; لأنه كاتبه بمائتي دينار ، وقيمة العبد ألف دينار ، وثلث سيده ألف دينار ، فينبغي على هذا أن يكون أربعة أخماس العبد حرا ; لأن من قول مالك في الرجل يوصي لعبده بثلث ماله ، أنه يعتق في الثلث ، إن حمله ، ويعطي بعد عتقه ما فضل من الثلث إن فضل منه شيء .

                                                                                                                        34879 - وهو قول أبي حنيفة ، والثوري ، والليث ، والحسن بن صالح ، في الرجل يوصي لعبده .

                                                                                                                        34880 - وخالفهم الأوزاعي ; فقال : من أوصى لعبده ، فوصيته باطل ، ويرجع ذلك إلى الورثة .

                                                                                                                        34881 - وأما قوله في الورثة : وإذا قالوا : ما أوصى به صاحبنا أكثر من الثلث أنهم يخيرون بين أن يسلموا للموصى له ما أوصى له به ، وبين أن يعطوه جميع ثلث الميت ، فإن هذه المسألة لمالك وأصحابه ، وطائفة من أهل المدينة ، تعرف بمسألة خلع الثلث ، قد خالفهم فيها الشافعي ، والكوفيون ، وأكثر الفقهاء ; وقالوا : لا يجوز ذلك ; لأنه بيع مجهول بمعلوم ، وتأتي في موضعها ، إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                        الخدمات العلمية