الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 78 ] ( 7 ) باب العيب في السلعة وضمانها

                                                                                                                        1471 - قال مالك : في الرجل يبتاع السلعة من الحيوان أو الثياب أو العروض فيوجد ذلك البيع غير جائز ، فيرد ويؤمر الذي قبض السلعة أن يرد إلى صاحبه سلعته .

                                                                                                                        قال مالك : فليس لصاحب السلعة إلا قيمتها يوم قبضت منه ، وليس يوم يرد ذلك إليه ، وذلك أنه ضمنها من يوم قبضها ، فما كان فيها من نقصان بعد ذلك كان عليه ، فبذلك كان نماؤها وزيادتها له ، وإن الرجل يقبض السلعة في زمان هي فيه نافقة ، مرغوب فيها ، ثم يردها في زمان هي فيه ساقطة ، لا يريدها أحد ، فيقبض الرجل السلعة من الرجل ، فيبيعها بعشرة دنانير ، ويمسكها وثمنها ذلك ، ثم يردها وإنما ثمنها دينار ، فليس له أن يذهب من مال الرجل بتسعة دنانير ، أو يقبضها منه الرجل فيبيعها بدينار ، أو يمسكها ، وإنما ثمنها دينار ، ثم يردها وقيمتها يوم يردها عشرة دنانير ، فليس على الذي قبضها أن يغرم لصاحبها من ماله تسعة دنانير ، إنما عليه قيمة ما قبض يوم قبضه .

                                                                                                                        قال : ومما يبين ذلك . أن السارق إذا سرق السلعة ، فإنما ينظر إلى [ ص: 79 ] ثمنها يوم يسرقها ، فإن كان يجب فيه القطع ، كان ذلك عليه ، وإن استأخر قطعه ، إما في سجن يحبس فيه حتى ينظر في شأنه ، وإما أن يهرب السارق ثم يؤخذ بعد ذلك فليس استئخار قطعه بالذي يضع عنه حدا قد وجب عليه يوم سرق ، وإن رخصت تلك السلعة بعد ذلك ولا بالذي يوجب عليه قطعا لم يكن وجب عليه يوم أخذها ، إن غلت تلك السلعة بعد ذلك .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        33556 - قال أبو عمر : بنى مالك - رحمه الله - هذا الباب على مذهبه فيمن ضمن شيئا أنه يطيب له النماء والربح فيه والنقصان .

                                                                                                                        33557 - وأما اشتراطه في أول هذا الباب الحيوان والعروض والثياب دون العقار ، فإن مذهبه المشهور المعمول به عند أصحابه أن حوالة الأسواق بالنماء والنقصان في الأثمان فوت في البيع الفاسد كله إذا كان في شيء من العروض ، أو الثياب ، أو الحيوان ، وكان المشتري قد قبضه وتغير أو حالت أسواقه ، فإذا كان ذلك لزمته فيه القيمة ، ولم يرده .

                                                                                                                        33558 وأما العقار ، فليس حوالة الأسواق فيه فوتا عندهم ، ولا يفوت العقار في البيع الفاسد إلا بخروجه عن يد المشتري ، أو ببنيان أو هدم ، أو غرس .

                                                                                                                        [ ص: 80 ] 33559 - ولم يختلفوا في العروض كلها من الحيوان ، أو الثياب ، أو غيرها أن خروجها من يد المشتري فوت أيضا ، وأن عليه قيمتها يوم قبضها إلا أن تكون فاتت من يده ببيع ، ثم ردت إليه ، ورجعت إلى ملكه قبل أن تتغير وتحول أسواقها ، فإن هذا موضع اختلف فيه قول مالك ; فقال مرة : على أي وجه رجعت إليه ، ولم تتغير سوقها ، فإنه يردها .

                                                                                                                        وقال مرة : لا يردها إذ قد لزمته القيمة ، يعني بفوتها بالبيع ، ولو كانت السلعة عبدا ، أو أمة اشتراها شراء فاسدا ثم أعتقها ، أو دبر ، أو كاتب ، أو تصدق ، أو وهب كان ذلك كله فوتا إذا كان مليا بالثمن ، وتلزمه القيمة يوم فوت ذلك إلا أن تكون السلعة مما يكال ، أو يوزن ، فإنه يرد مثل ما قبض في صفته ، وكيله ، ووزنه .

                                                                                                                        33560 - هذا كله تحصيل مذهب مالك ، وأصحابه ، ولم يتابع مالكا في قوله على أن حوالة الأسواق بالزيادة في الثمن ، أو النقصان فوت في البيع الفاسد أحد من أئمة الفتوى بالأمصار فيما علمت إلا أصحابه .

                                                                                                                        33561 - وأما الشافعي فتصرف المشتري في المبيع بيع فاسد باطل لا ينفذ ، ولا يصح فيه هبته ، ولا تدبيره ، ولا عتقه ، ولا بيعه ، ولا شيء من تصرفه ، وهو مفسوخ أبدا عنده ، ويرده بحاله ، وهو على ملك البائع ، والمصيبة منه ، وعتق المشتري له باطل ، فإذا فات عند المشتري بذهاب عينه ، وفقده ، واستهلاكه لزمه فيه القيمة في حين فوته ، وذهاب عينه لا تعتبر سوقه ، والبيع فاسد عنده ، حكمه كالمغصوب سواء .

                                                                                                                        [ ص: 81 ] 33562 - وهو قول أحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود .

                                                                                                                        33563 - قال أبو حنيفة ، وأصحابه في الرجل يشتري الجارية شراء فاسدا ، ويقبضها ، ثم يبيعها ، أو يهبها ، أو يمهرها ، فتصير عند المشتري لها منه ، أو عند الموهوب له ، أو عند المرأة الممهورة ، فعليه ضمان القيمة ، وفعله كله في ذلك جائز ، وكذلك لو كاتبها ، أو وهبها ، إلا أن الجارية الموهوبة لو افتكها قبل أن يضمنه القاضي قيمتها ردها على البائع ، وكذلك المكاتبة إن عجزت عن أداء الكتابة .

                                                                                                                        33564 - قالوا : ولو ردها المشتري بعيب بعد القبض بغير قضاء ، فعليه ضمان القيمة ولا يردها على البائع ، والله الموفق للصواب .




                                                                                                                        الخدمات العلمية