الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 756 ] فلو حلف ( لا يخرج أو لا يذهب ) أو لا يروح ( إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع عنها قصد غيرها أم لا ) بحر بحثا ( إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع عنها ) قصد غيرها أم لا نهر ( حنث إذا جاوز عمران مصره على قصدها ) إن بينه وبينها مدة سفر وإلا حنث بمجرد انفصاله فتح بحثا ، وفيه حلف ليخرجن مع فلان العام إلى مكة فخرج معه حتى جاوز البيوت ، وفي لا يخرج من بغداد [ ص: 757 ] فخرج مع جنازة والمقابر خارج بغداد حنث ( وفي لا يأتيها لا ) يحنث إلا بالوصول كما مر والفرق لا يخفى ( كما ) لا يحنث ( لو حلف أن لا تأتي امرأته عرس فلان فذهبت قبل العرس وكانت ثمة حتى مضى ) العرس لأنها ما أتت العرس بل العرس أتاها ذخيرة .

التالي السابق


( قوله فلو حلف إلخ ) تفريع على قوله لأن الشرط في الخروج والذهاب إلخ ط ( قوله بحر بحثا ) يؤيده العرف وكذا ما في المصباح حيث قال : وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار ، وليس كذلك بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار قاله الأزهري وغيره وعليه قوله عليه الصلاة والسلام { من راح إلى الجمعة في أول النهار فله كذا } أي من ذهب . ا هـ . ( قوله ثم رجع عنها ) وكذا لو لم يرجع بالأولى فهو غير قيد ولذا قال في الفتح رجع عنها أو لم يرجع .

مطلب حلف لا يخرج إلى مكة ونحوها

( قوله قصد غيرها أم لا ) أي لأن الحنث تحقق بمجرد الخروج على قصدها ، فلا فرق حينئذ بعدما خرج بين أن يقصد الذهاب إلى غيرها أو لا ( قوله فتح بحثا ) حيث قال : وقد قالوا إنما يحنث إذا جاوز عمرانه على قصدها كأنه ضمن لفظا آخر معنى أسافر للعلم بأن المضي إليها سفر لكن على هذا لو لم يكن بينه وبينها مدة سفر ينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل . ا هـ .

قلت : يؤيده قوله في الذخيرة لأن الخروج إلى مكة سفر والإنسان لا يعد مسافرا إذا لم يتجاوز عمران مصره ا هـ أي بخلاف الخروج إلى الجنازة لكن لما كانت الجنازة في المصر اعتبر في الخروج انفصاله من باب داره وإن كانت المقبرة خارج المصر لأنه لم يحلف على الخروج إلى المقبرة ، أما لو حلف على ذلك أو على الخروج إلى القرية مثلا مما يلزم منه الخروج من المصر فالظاهر أنه يلزم مجاوزة العمران وإن لم يقصد مدة سفر . وفي البحر عن البدائع قال عمر بن أسد : سألت محمدا عن رجل حلف ليخرجن من الرقة ما الخروج ؟ قال ، إذا جعل البيوت خلف ظهره لأن من حصل في هذه المواضع جاز له القصر . ا هـ .

قال في البحر : فالحاصل أن الخروج إذا كان من البلد فلا يحنث حتى يجاوز عمران مصره سواء كان إلى مقصده مدة سفر أو لا وإن لم يكن خروجا من البلد فلا يشترط مجاوزة العمران ا هـ . وهذا مخالف لما بحثه في الفتح فليتأمل ( قوله وفيه إلخ ) لم أجد ذلك في الفتح بل هو في البحر وغيره ( قوله مع فلان العام ) الذي في البحر وغيره العام أي هذه السنة فهو ظرف زمان معرف بأل التي للحضور ( قوله بر ) فإذا بدا له أن يرجع رجع بلا ضرر بحر .

قلت : والظاهر أنه لا بد من أن يكون خروجه على قصد السفر لا على قصد الرجوع ولذا قال : فإذا بدا له إلخ [ ص: 757 ] ويدل عليه قوله في الخانية فإذا خرج معه فجاوز البيوت ووجب عليه قصر الصلاة فقد بر إذ لا يخفى أن وجوب القصر لا يكون إلا عند قصد السفر وكذا قول المصنف وغيره فخرج يريدها .

[ تنبيه ]

يعلم مما قررناه جواب ما يقع كثيرا فيمن حلف ليسافرن فإنه يبر بمجاوزته العمران على قصد السفر إلى مكان بينه وبينه مدة السفر ، فإذا بدا له الرجوع رجع بلا ضرر وبه أفتى المصنف وغيره ، لكن لا بد من قصد السفر كما قلنا لا مجرد الخروج على قصد الرجوع لأنه لا يتحقق به السفر ، والله أعلم ( قوله فخرج مع جنازة ) أي خرج من بغداد مع الجنازة بأن جاوز العمران قال ط : لكن العرف بخلافه فإن من حلف لا يخرج من مصر فزار الإمام لا يعد خارجا منها في عرفنا . ا هـ .

قلت : لكن إذا قامت قرينة على إرادة الخروج مطلقا لسفر أو غيره يعد خارجا ( قوله كما مر ) أي قريبا في قوله إلا في الإتيان ( قوله والفرق لا يخفى ) هو أن الخروج الانفصال من الداخل إلى الخارج وأما الإتيان فعبارة عن الوصول قال تعالى - { فأتيا فرعون فقولا } - ( قوله فذهبت قبل العرس ) أي بحيث لا تعد عرفا أنها أتت العرس بأن كان ذلك قبل الشروع في مباديه وفي البزازية لا يذهب إلى وليمة فذهب لطلب غريمه لا يحنث ا هـ أي إذا كان الغريم في الوليمة وذكر في الذخيرة أنه أفتى بذلك شيخ الإسلام الإسبيجابي .




الخدمات العلمية