الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب البشارة ( قال ) رضي الله عنه وإذا قال : أي غلماني بشرني بكذا فهو حر فبشره بذلك واحد ثم آخر عتق الأول دون الثاني ; لأن الأول بشير والآخر مخبر فإن البشير من يخبره بما غاب عنه علمه فتتغير عند سماعه بشرة وجهه ، وإنما وجد هذا من الأول دون الثاني .

وإن بشروه معا عتقوا ; لأن كل واحد منهم أخبره بما غاب عنه علمه فالعلم بالمخبر به يتعقب الخبر ولا يقترن به ، والدليل على أن البشارة تتحقق من الجماعة قوله تعالى وبشروه بغلام حليم .

ولو بعث أحد غلمانه مع رجل بالبشارة فقال : إن غلامك يبشرك بكذا عتق ; لأن عبارة الرسول كعبارة المرسل فالبشير هو المرسل والرسول مبلغ قال الله تعالى { إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح } وإنما سمعت من رسل الله صلوات الله عليهم وهم الملائكة ثم كان بشارة من الله تعالى لها ، وكذلك لو كتب به إليه كتابا ; لأن البيان بالكتاب كالبيان باللسان ، فإن قال : نويت المشافهة لم يعتق ; لأنه نوى حقيقة كلامه فإن البشارة إنما تكون حقيقة منه إذا سمعه بعبارته [ ص: 19 ] وإذا قال : أي غلماني أخبرني بكذا فالأول والثاني والكاتب والمرسل يعتقون جميعا ; لأن الخبر متحقق منهم فقد يخبر المرء بما هو معلوم له كما يخبر بما غاب عنه علمه إلا أن يعني المشافهة فتعمل نيته ; لأنه حقيقة كلامه وقع في بعض نسخ الأصل التسوية بين الأخبار والإعلام ، والمراد أن الإعلام يحصل بالكتاب والرسول كالأخبار فأما الإعلام لا يكون من الثاني بعد الأول ; لأن الإعلام إيقاع العلم بالخبر وذلك لا يتكرر بخلاف الأخبار ، ألا ترى أن الرجل يقول : أخبرني بهذا غير واحد ولا يقول أعلمني غير واحد ؟

وإذا قال : أي غلماني حدثني فهو على المشافهة بمنزلة قوله : كلمني ، ألا ترى أنا نقول : أخبرنا الله بكذا بكتابه أو على لسان رسوله ، ولا نقول : حدثنا الله ولا كلمنا الله ؟

وإن حلف إن علم بمكان فلان ليخبرنك به ثم علما جميعا فلا بد من أن يخبره ليبر ; لأن الإخبار يتحقق ، وإن كان المخبر به معلوما له ، ولو قال : ليعلمنك به لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو حانث في قول أبي يوسف رحمه الله ; لأنهما إذا علما جميعا به فما هو شرط بره وهو الإعلام فائت فهو بمنزلة قوله : لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه

التالي السابق


الخدمات العلمية