الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير أن رجلا من الأنصار يقال له أحيحة بن الجلاح كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة وكان عند أخواله فأخذه أحيحة فقتله فقال أخواله كنا أهل ثمه ورمه حتى إذا استوى على عممه غلبنا حق امرئ في عمه قال عروة فلذلك لا يرث قاتل من قتل

                                                                                                          قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئا ولا من ماله ولا يحجب أحدا وقع له ميراث وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئا وقد اختلف في أن يرث من ماله لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه وليأخذ ماله فأحب إلي أن يرث من ماله ولا يرث من ديته

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1621 1578 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن عروة بن الزبير ) بن العوام ( أن رجلا من الأنصار يقال له أحيحة ) بمهملتين مصغر ( بن الجلاح ) بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة ( كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة وكان عند أخواله فأخذه أحيحة فقتله فقال أخواله : كنا أهل ثمه ) بضم المثلثة وكسر الميم الثقيلة وهاء الضمير قال أبو عبيد : المحدثون يروونه بالضم ، والوجه عندي الفتح ، والثم إصلاح الشيء وإحكامه ، يقال : ثممت أثم ثما ، وقال أبو عمرو : والثم الرم ( ورمه ) بضم الراء وكسر الميم شديدة قال الأزهري : هكذا روته الرواة وهو الصحيح وإن أنكره بعضهم .

                                                                                                          وقال ابن السكيت : يقال ماله ثم ولا رم بضمهما ، فالثم قماش البيت والرم مرمة البيت ، كأنه أريد كنا القائمين به منذ ولد إلى أن شب وقوي .

                                                                                                          ( حتى إذا استوى على عممه ) بضم العين المهملة وفتحها وميمين أولاهما مفتوحة والثانية مكسورة مخففة أي على طوله واعتدال شبابه ، ويقال للنبت إذا طال اعتم .

                                                                                                          ورواه أبو عبيد بالتشديد قاله الهروي أي شد الميم الثانية ، قال الجوهري : قد تشدد للازدواج ( غلبنا حق امرئ في عمه ) فأخذه منا قهرا علينا .

                                                                                                          ( قال عروة : فلذلك لا يرث قاتل من قتل ) أي الذي قتله ، قال في الإصابة بعد ذلك أثر الموطأ هذا لم أقف على نسب أحيحة هذا في أنساب الأنصار ، وقد ذكره بعض من ألف في الصحابة .

                                                                                                          وزعم أنه أحيحة بن الجلاح بن حريش ، ويقال حراس بن حجبا بن كلفة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وكانت تحته سلمى بنت عمرو الخزرجية فولدت له عمرو بن أحيحة ، وتزوج سلمى بعد أحيحة [ ص: 311 ] هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - وزعم أن عمرو بن أحيحة هذا هو الذي روى عن خزيمة بن ثابت في النهي عن إتيان النساء في الدبر .

                                                                                                          وروى عنه عبد الله بن علي بن السائب ، وقضيته أن يكون لأبيه أحيحة صحبة ، وقد أنكر ابن عبد البر هذا إنكارا شديدا .

                                                                                                          وقال في الاستيعاب : ذكره ابن أبي حاتم فيمن روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وسمع من خزيمة بن ثابت .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : وهذا لا أدري ما هو لأن أحيحة قديم وهو أخو عبد المطلب لأمه ، فمن المحال أن يروي عن خزيمة من كان بهذا القدم ، ويروي عنه عبد الله بن علي بن السائب ، فعسى أن يكون حفيدا لعمرو بن أحيحة يعني تسمى باسم جده ، قلت : لم يتعين ما قال بل لعل أحيحة بن الجلاح والد عمرو آخر غير أحيحة بن الجلاح المشهور ، وقد ذكر المرزباني عمرو بن أحيحة في معجم الشعراء ، وقال : إنه مخضرم يعني أدرك الجاهلية والإسلام وأنشد له شعرا ، قال : لما خطب الحسن بن علي عند معاوية . وأحيحة بن الجلاح المشهور كان شريفا في قومه مات قبل أن يولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بدهر ، ومن ولده محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح أحد من سمي محمدا في الجاهلية رجاء أن يكون هو النبي المبعوث ، ومات محمد بن عقبة في الجاهلية ، وأسلم ولده المنذر بن محمد وشهد بدرا وغيرها ، واستشهد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ببئر معونة ، وممن له صحبة من ذرية أحيحة عياض بن عمرو بن شهل بن أحيحة شهد أحدا وما بعدها ، وعمران وبليل ولدا بلال بن أحيحة شهدا أحدا أيضا ، ولم يذكر أحد أباهم في الصحابة ، ومن ذرية أحيحة أيضا فضالة بن عبيد بن ناقد بن قيس بن الأصرم بن حجبا ، أمه بنت محمد بن عقبة المذكور ، وذاك من الأدلة على وهم من ذكر أحيحة بن الجلاج الأكبر في الصحابة .

                                                                                                          وقال عياض في المشارق : وهم بعضهم ما في الموطأ بأن أحيحة جاهلي لم يدرك الإسلام ، والأنصار اسم إسلامي للأوس والخزرج فكيف يقال من الأنصار ؟ قال عياض : وهو يتخرج على أن في اللفظ تساهلا لما كان من قبيل المذكور ، وصار لهم هذا الاسم كالنسب ذكر في جملتهم لأنه من إخوتهم ، انتهى .

                                                                                                          وهذا تسليم منه لأنه مات في الجاهلية .

                                                                                                          وقد أغرب القاضي أبو عبد الله بن الحذاء في رجال الموطأ فزعم أن أحيحة بن الجلاح قديم الوفاة وأنه عمر حتى أدرك الإسلام ، وأنه الذي ذكر عنه مالك ما ذكر ، وأن عروة لم يدركه وإنما وقع له الذي وقع في الجاهلية فأقرها الإسلام انتهى .

                                                                                                          فجعله تارة أدرك الإسلام وتارة لم يدركه ، الحق أنه مات قديما كما قدمته .

                                                                                                          وأما صاحب القصة فالذي يظهر لي أنه غيره وكأنه والد عمرو بن أحيحة الذي روى عنه خزيمة بن ثابت ، فيكون أحيحة الصحابي والد عمرو غير أحيحة بن الجلاح جد محمد بن عقبة القديم الجاهلي ، ويحتمل أن يكون الأصغر حفيد [ ص: 312 ] الأكبر وافق اسمه واسم أبيه اسم جده واسم أبيه ، والله أعلم ، انتهى كلام الإصابة .

                                                                                                          ( قال مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئا ولا من ماله ، ولا يحجب أحدا وقع له ميراث ) لأن كل من لا يرث لا يحجب وارثا .

                                                                                                          ( وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئا ) وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قام يوم فتح مكة قال : لا يتوارث أهل ملتين ، وترث المرأة من دية زوجها وماله ، وهو يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا فلا يرث من ديته وماله شيئا ، وإن قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته ، رواه الدارقطني بإسناد ضعيف لكنه اعتضد باتفاق أهل المدينة عليه .

                                                                                                          ( وقد اختلف في أن يرث من ماله لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه وليأخذ ماله ) الذي هو علة منع إرثه في قتله عمدا ، فإذا انتفت العلة بكون القتل خطأ ورث من المال أو لا يرث عملا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - ليس لقاتل شيء ( فأحب ) القولين ( إلي أن يرث من ماله ولا يرث من ديته ) لأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما .




                                                                                                          الخدمات العلمية