الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ومن المختلط الذي هو منفصل الأجزاء مسألة الأواني إذا كان في بعضها ماء نجس وفي بعضها ماء طاهر وليس معه ماء طاهر سوى ذلك ولا يعرف الطاهر من النجس فإن كانت الغلبة للأواني الطاهرة فعليه التحري لأن الحكم للغالب فباعتبار الغالب لزمه استعمال الماء الطاهر وإصابته بتحريه مأمول وإن كانت الغلبة للأواني النجسة أو كانا سواء فليس له أن يتحرى عندنا ، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يتحرى ويتوضأ بما يقع في تحريه أنها طاهرة ، وهذا ومسألة المساليخ سواء والفرق بين مسألة الثياب وبين مسألة الأواني لنا أن الضرورة لا تتحقق في الأواني لأن التراب طهور له عند العجز عن الماء الطاهر فلا يضطر إلى استعمال التحري للوضوء عند غلبة النجاسة لما أمكنه إقامة الفرض بالبدل ، وفي مسألة الثياب الضرورة مست لأنه ليس للستر بدل يتوصل به إلى إقامة الفرض حتى أن في مسألة الأواني لما كان تتحقق الضرورة في الشرب عند العطش وعدم الماء الطاهر يجوز له أن يتحرى للشرب لأنه لما جاز له شرب الماء النجس عند الضرورة فلأن [ ص: 202 ] يجوز التحري وإصابة الطاهر مأمول بتحريه أولى .

يوضحه أن مسألة الأواني لو كانت كلها نجسة لا يؤمر بالتوضؤ بها ولو فعل لا تجوز صلاته فإذا كانت الغلبة له فكذلك أيضا ، وفي مسألة الثياب وإن كان الكل نجسة يؤمر بالصلاة في بعضها ويجزيه ذلك فكذلك إذا كانت الغلبة للنجاسة ، وفي الكتاب يقول : إذا كانت الغلبة للماء النجس يريق الكل ثم يتيمم وهذا احتياط وليس بواجب ولكنه إن أراق فهو أحوط ليكون تيممه في حال عدم الماء بيقين وإن لم يرق أجزأه أيضا لأنه عدم آلة الوصول إلى الماء الطاهر وهو العلم ، والطحاوي رحمه الله تعالى يقول في كتابه : يخلط الماءين ثم يتيمم وهذا أحوط لأن بالإراقة ينقطع عنه منفعة الماء وبالخلط لا ، فإنه بعد الخلط يسقي دوابه ويشرب عند تحقق العجز فهو أولى ، وبعض المتأخرين من أئمة بلخي كان يقول : يتوضأ بالإناءين جميعا احتياطا لأنه يتيقن بزوال الحدث عند ذلك لأنه قد توضأ مرة بالماء الطاهر وحكم نجاسة الأعضاء أخف من حكم الحدث فإذا كان قادرا على إزالة أغلظ الحدثين لزمه ذلك ، وقاسوا بمن كان معه سؤر الحمار يؤمر بالتوضؤ به مع التيمم احتياطا ولسنا نأخذ بهذا لأنه إذا فعل ذلك كان متوضئا بما يتيقن بنجاسته وتتنجس أعضاؤه أيضا خصوصا رأسه فأنه بعد المسح بالماء ينجس وإن مسحه بالماء الطاهر لا يطهر ، فلا معنى للأمر به بخلاف سؤر الحمار فإنه ليس بنجس ، ولهذا لو غمس الثوب فيه جازت صلاته فيه فيستقيم الأمر بالجمع بينه وبين التيمم احتياطا

التالي السابق


الخدمات العلمية