الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4803 ) فصل : وإن وصى بمعين حاضر ، وسائر ماله دين أو غائب ، فليس للوصي أخذ المعين قبل قدوم الغائب أو استيفاء الدين ; لأنه ربما تلف ، فلا تنفذ الوصية في المعين كله . وظاهر كلام الخرقي أن للوصي ثلث المعين . ذكره في المدبر . وقيل : لا يدفع إليه شيء ; لأن الورثة شركاؤه في التركة ، فلا يحصل له [ ص: 156 ] شيء ما لم يحصل للورثة مثله ، ولم يحصل لهم شيء . وهذا وجه لأصحاب الشافعي . والصحيح أن له الثلث ; لأن حقه فيه مستقر ، فوجب تسليمه إليه ، لعدم الفائدة في وقفه ، كما لو لم يخلف غير المعين . ولأنه لو تلف سائر المال ، لوجب تسليم ثلث المعين إلى الوصي ، وليس تلف المال سببا لاستحقاق الوصية وتسليمها ، ولا يمنع نفوذ الوصية في الثلث المستقر ، وإن لم ينتفع الورثة بشيء ، كما لو أبرأ معسرا من دين عليه . وقال مالك : يخير الورثة بين دفع العين الموصى بها ، وبين جعل وصيته بثلث المال ; لأن الموصي كان له أن يوصي بثلث ماله ، فعدل إلى المعين . وليس له ذلك ; لأنه يؤدي إلى أن يأخذ الموصى له المعين ، فينفرد بالتركة على تقدير تلف الباقي قبل وصوله إلى الورثة ، فيقال للورثة : إن رضيتم بذلك ، وإلا فعودوا إلى ما كان له أن يوصي به ، وهو الثلث . ولنا ، أنه أوصى بما لا يزيد على الثلث لأجنبي ، فوقع لازما ، كما لو وصى له بمشاع . وما قاله لا يصح ; لأن جعل حقه في قدر الثلث إشاعة ، وإبطال لما عينه ، فلا يجوز إسقاط ما عينه الموصي للموصى له ، ونقل حقه إلى ما لم يوص به ، كما لو وصى له بمشاع ، لم يجز نقله إلى معين ، وكما لو كان المال كله حاضرا أو غائبا . إذا ثبت هذا ، فإن للموصى له ثلث المعين الحاضر ، وكلما اقتضي من دينه شيء أو حضر من الغائب شيء فللموصى له بقدر ثلثه من الموصى به ، كذلك حتى يكمل للموصى له الثلث ، أو يأخذ المعين كله . فلو خلف تسعة عينا ، وعشرين دينا وابنا ، ووصى بالتسعة لرجل ، فللوصي ثلثها ثلاثة ، وكلما اقتضي من الدين شيء فللوصي ثلثه ، فإذا اقتضي ثلثه فله من التسعة واحد ، حتى يقتضي ثمانية عشر ، فيكمل له التسعة . وإن جحد الغريم ، أو مات ، أو يئس من استيفاء الدين ، أخذ الورثة الستة الباقية من العين . ولو كان الدين تسعة ، فإن الابن يأخذ ثلث العين ، ويأخذ الوصي ثلثها ، ويبقى ثلثها موقوفا ، كلما استوفي من الدين شيء فللوصي من العين قدر ثلثه ، فإذا استوفي الدين كله ، كمل للموصى له ستة ، وهي ثلث الجميع . وإن كانت الوصية بنصف العين ، أخذ الوصي ثلثها ، وأخذ الابن نصفها ، وبقي سدسها موقوفا ، فمتى اقتضى من الدين مثليه ، كملت الوصية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية