الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5107 ) فصل : والمؤلفة قلوبهم ضربان ; كفار ومسلمون ، وهم جميعا السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم . فالكفار ضربان ; أحدهما ، من يرجى إسلامه ، فيعطى لتقوى نيته في الإسلام ، وتميل نفسه إليه ، فيسلم ; { فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ، أعطى صفوان بن أمية الأمان ، واستنظره صفوان أربعة أشهر لينظر في أمره ، وخرج معه إلى حنين ، فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوان : ما لي ؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى واد فيه إبل محملة ، فقال : هذا لك . فقال صفوان : هذا عطاء من لا يخشى الفقر . }

                                                                                                                                            والضرب الثاني ، من يخشى شره ، ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره معه . وروي عن ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام ، وقالوا : هذا دين حسن . وإن منعهم ذموا وعابوا . وأما المسلمون فأربعة أضرب ; قوم من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار ، ومن المسلمين الذين لهم نية حسنة في الإسلام ، فإذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم وحسن نياتهم ، فيجوز إعطاؤهم ; لأن أبا بكر رضي الله عنه ، أعطى عدي بن حاتم ، والزبرقان بن بدر ، مع حسن نياتهما وإسلامهما .

                                                                                                                                            الضرب الثاني ، سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم ، ومناصحتهم في الجهاد ، فإنهم يعطون ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، وعلقمة بن علاثة ، والطلقاء من أهل مكة ، وقال للأنصار : { يا معشر الأنصار علام تأسون ؟ على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما لا إيمان لهم ، ووكلتكم إلى إيمانكم ؟ } . وروى البخاري ، بإسناده عن عمرو بن تغلب ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أناسا وترك أناسا ، فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إني أعطي أناسا وأدع أناسا ، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ، أعطي أناسا لما في قلوبهم من الجزع والهلع ، وأكل أناسا إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير ; منهم عمرو بن تغلب } .

                                                                                                                                            وعن أنس ، قال : حين { أفاء الله على رسوله أموال هوازن ، طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش مائة من الإبل ، فقال ناس من الأنصار : يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويمنعنا ، وسيوفنا تقطر من [ ص: 329 ] دمائهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألفهم } متفق عليه . الضرب الثالث ، قوم في طرف بلاد الإسلام ، إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين . الضرب الرابع : قوم إذا أعطوا أجبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف . وكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة ; لأنهم من المؤلفة قلوبهم ، فيدخلون في عموم الآية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية