الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 508 ] هذا ويرد على التعريفين ما في التتارخانية : لو خرجا معا صح البيع ، لكن في القهستاني : لو كانا معا لم ينعقد كما قالوا في السلام ، وعلى الأول ما في الأشباه تكرار الإيجاب مبطل للأول إلا في عتق وطلاق على مال ، [ ص: 509 ] وسيجيء في الصلح ، وفي المنظومة المحبية [ ص: 510 ] وكل عقد بعد عقد جددا فأبطل الثاني لأنه سدى     فالصلح بعد الصلح أضحى باطلا
كذا النكاح ما عدا مسائلا     منها الشرا بعد الشراء صححوا
كذا كفالة على ما صرحوا     إذ المراد صاح في المحقق
منها إذا زيادة التوثق

التالي السابق


( قوله : ويرد على التعريفين ) أي تعريفي الإيجاب والقبول حيث قيد الإيجاب بكونه أولا والقبول بكونه ثانيا ط . ( قوله : لكن في القهستاني إلخ ) ومثله في التجنيس لصاحب الهداية . ( قوله : كما قالوا في السلام ) أي لو رد على المسلم مع السلام فلا بد من الإعادة . ( قوله : وعلى الأول ) أي ويرد على التعريف الأول حيث قيد بكونه أولا ، والمعتبر في التكرار هو الثاني . والجواب أن الإيجاب الأول لما بطل صار الثاني أولا في التحقيق ، على أن كلا من الإيجابين أول بالنسبة إلى القبول أفاده ط . ( قوله : تكرار الإيجاب ) أي قبل القبول . ( قوله : مبطل للأول ) وينصرف القبول إلى الإيجاب الثاني ، ويكون بيعا بالثمن الأول بحر ، وصوابه بالثمن الثاني كما هو ظاهر ، ويعلم مما يأتي . ( قوله : إلا في عتق وطلاق على مال ) لم يذكر في الأشباه الطلاق بل ذكره في البحر . وقد اعترض البيري على الأشباه حيث اقتصر على العتق مع أن الولوالجي ذكر الطلاق أيضا ، وذكر أنه روي عن أبي يوسف أنهما كالبيع ، وأن ما روي عن محمد أصح . ا هـ . وفي البيري أيضا عن الذخيرة قال : لغيره بعتك هذا بألف درهم ثم قال : بعتكه بمائة دينار فقال : المشتري قبلت انصرف قبوله إلى الإيجاب الثاني ويكون بيعا بمائة دينار ، بخلاف ما لو قال : لعبده أنت حر على ألف درهم أنت حر على مائة دينار فقال : العبد قبلت لزمه المالان . والفرق أن الإيجاب الثاني رجوع عن الإيجاب الأول ، ورجوع البائع قبل قبول المشتري عامل ; ألا ترى أنه لو قال : رجعت عن ذلك قبل قبول المشتري يعمل رجوعه ، وإذا عمل رجوعه بطل الإيجاب الأول وانصرف القبول إلى الإيجاب الثاني . أما رجوع المولى عن إيجاب العتق ليس بعامل ألا ترى أنه لو قال : رجعت عن ذلك لا يعمل رجوعه ; لأن إيجاب العتق بالمال تعليق بالقبول ، والرجوع في التعليقات [ ص: 509 ] لا يعمل ، فبقي كل من الإيجاب الأول والثاني فانصرف القبول إليهما . ا هـ . . ( قوله : وسيجيء في الصلح ) قال : الشارح هناك : والأصل أن كل عقد أعيد فالثاني باطل إلا في الكفالة والشراء والإجارة . ا هـ .

وفيه أن هذا وما في النظم من تكرار العقد ، والكلام في تكرار الإيجاب كما لا يخفى . ا هـ .

ح أي ; لأن العقد اسم لمجموع الإيجاب والقبول ، وتكراره غير تكرار الإيجاب الذي كلامه فيه . ( قوله : وكل عقد بعد عقد جدد إلخ ) في التتارخانية قال : بعتك عبدي هذا بألف درهم بعتكه بمائة دينار فقال : المشترى : قبلت ينصرف إلى الإيجاب الثاني ، ويكون بيعا بمائة دينار ولو قال : بعتك هذا العبد بألف درهم وقبل المشتري ثم قال : بعته منك بمائة دينار في المجلس أو في مجلس آخر وقال : المشتري : اشتريت ينعقد الثاني وينفسخ الأول ، وكذا لو باعه بجنس الثمن الأول بأقل أو بأكثر نحو أن يبيعه منه بعشرة ثم باعه بتسعة أو بأحد عشر ، فإن باع بعشرة لا ينعقد الثاني ويبقى الأول بحاله . ا هـ . فهذا مثال لتكرار الإيجاب فقط ومثال لتكرار العقد . ( قوله : فأبطل الثاني ) أي إذا كان بمثل الثمن الأول كما علمت ; لأنه سدى أي لا فائدة فيه . ( قوله : فالصلح بعد الصلح أضحى باطلا ) هذا إذا كان الصلح على سبيل الإسقاط ، أما إذا كان الصلح على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر ، فالثاني هو الجائز ، ويفسخ الأول كالبيع بيري عن الخلاصة عن المنتقى . قلت : الظاهر أن الصلح على سبيل الإسقاط بمعنى الإبراء ، وبطلان الثاني ظاهر ، ولكنه بعيد الإرادة هنا فالمناسب حمل الصلح على المتبادر منه ويكون المراد به ما إذا كان بمثل العوض الأول بقرينة قوله كالبيع ، وعليه فالظاهر أن حكمه كالبيع في التفصيل المار فيه .

( قوله : كذا النكاح ) أي فالثاني باطل ، فلا يلزمه المهر المسمى فيه إلا إذا جدده للزيادة في المهر كما في القنية بحر . قلت : لكن قدمنا في أوائل باب المهر عن البزازية أن عدم اللزوم إذا جدد العقد للاحتياط ، وقدمنا أيضا عن الكافي لو تزوجها في السر بألف ثم في العلانية بألفين ظاهر المنصوص في الأصل أنه يلزمه عنده الألفان ويكون زيادة في المهر ، وعند أبي يوسف المهر هو الأول إذ العقد الثاني لغو فيلغو ما فيه وعند الإمام أن الثاني وإن لغا لا يلغو ما فيه من الزيادة ا هـ . وذكر في الفتح هناك أن هذا إذا لم يشهد على أن الثاني هزل ، وإلا فلا خلاف في اعتبار الأول ثم ذكر أن بعضهم اعتبر ما في العقد الثاني فقط ، وبعضهم أوجب كلا المهرين وأن قاضي خان أفتى بأنه لا يجب بالعقد الثاني شيء ما لم يقصد به الزيادة في المهر ، ثم وفق بينه وبين إطلاق الجمهور اللزوم بحمل كلامه على أنه لا يلزمه ديانة في نفس الأمر إلا بقصد الزيادة بل يلزمه قضاء ; لأنه يؤاخذ بظاهر لفظه إلا أن يشهد على الهزل ا هـ .

والحاصل : اعتماد قول الإمام الذي هو ظاهر المنصوص من لزوم الزيادة وحينئذ فمعنى كون الثاني لغوا أنه لا ينفسخ الأول به . ( قوله : ما عدا مسائل ) استثناء من قوله فأبطل الثاني . ( قوله : منها الشرا بعد الشراء ) بقصر الشرا الأول للنظم قال : في الأشباه أطلقه في جامع الفصولين ، وقيده في القنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنا من الأول أو أقل أو بجنس آخر ، وإلا فلا يصح . ا هـ .

[ ص: 510 ] قلت : فعلى ما في القنية لا فرق بين الشراء والبيع ; ولذا أطلق العقد في البحر حيث قال : وإذا تعدد الإيجاب والقبول انعقد الثاني وانفسخ الأول إن كان بأزيد من الأول أو أنقص وإن كان مثله لم ينفسخ الأول واختلفوا فيما إذا كان الثاني فاسدا هل يتضمن فسخ الأول . ا هـ .

قال : في النهر : ومقتضى النظر أن الأول لا ينفسخ . ا هـ . لكن جزم في جامع الفصولين والبزازية بأنه ينفسخ وكذا قال : في الذخيرة أن الثاني وإن كان فاسدا فإنه يتضمن فسخ الأول ، كما لو اشترى قلب فضة وزنه عشرة وتقابضا ثم اشتراه منه بتسعة وعلله البزازي بأن الفاسد ملحق بالصحيح في كثير من الأحكام . ا هـ .

رملي ملخصا . ( قوله : كذا كفالة ) قال : في الخانية : الكفيل بالنفس إذا أعطى الطالب كفيلا بنفسه فمات الأصيل بريء الكفيلان ، وكذا لو مات الكفيل الأول بريء الكفيل الثاني كذا ذكره بعض الأفاضل قال : وأشار بجواز تعددها إلى أن المكفول له لو أخذ من الأصيل كفيلا آخر بعد الأول لم يبرأ الأول . كذا في حاشية السيد أبي السعود على الأشباه .

[ تنبيه ] زاد في الأشباه أن الإجارة بعد الإجارة من المستأجر الأول فسخ للأولى كما في البزازية . وقال : البحر وينبغي أن المدة إذا اتحدت فيها واتحد الأجران لا تصح الثانية كالبيع . ( قوله : إذ المراد إلخ ) تعليل لعدم بطلان الكفالة الثانية بأن المراد منها في الحقيقة إذا أي حين كررت إنما هو زيادة التوثق بأخذ كفيل آخر ، حتى يتمكن من مطالبة أيهما أراد .




الخدمات العلمية