الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن توابعه : الرباط وهو الإقامة في مكان ليس وراءه إسلام هو المختار وصح " أن صلاة المرابط بخمسمائة ودرهمه بسبعمائة وإن مات فيه أجري عليه عمله ورزقه [ ص: 122 ] وأمن الفتان وبعث شهيدا آمنا من الفزع الأكبر " وتمامه في الفتح

التالي السابق


مطلب في الرباط وفضله

( قوله ومن توابعه الرباط إلخ ) قال السرخسي في شرح السير الكبير : والمرابطة المذكورة في الحديث : عبارة عن المقام في ثغر العدو لإعزاز الدين ودفع شر المشركين عن المسلمين وأصل الكلمة من ربط الخيل قال الله تعالى - { ومن رباط الخيل } - والمسلم يربط خيله حيث يسكن من الثغر ليرهب العدو به ، وكذلك يفعله عدوه ولهذا سمي مرابطة ا هـ واشترط الإمام مالك أن يكون غير الوطن ونظر فيه الحافظ ابن حجر بأنه قد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور ( قوله هو المختار ) ; لأن مأذونه لو كان رابطا فكل المسلمين في بلادهم مرابطون وتمامه في الفتح . قلت : لكن لو كان الثغر المقابل للعدو لا تحصل به كفاية الدفع إلا بثغر وراءه فهما رباط كما لا يخفى .

( قوله وصح إلخ ) هذا لم يذكره في الفتح حديثا واحدا ; لأنه قال : والأحاديث في فضله كثيرة منها ما في صحيح مسلم من حديث سلمان رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " { رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه أجري عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن الفتان } " زاد الطبراني " { وبعث يوم القيامة شهيدا } " وروى الطبراني بسند ثقات في حديث مرفوع " { من مات مرابطا أمن الفزع الأكبر } " ولفظ ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة " { وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع } " وعن أبي أمامة عنه عليه الصلاة والسلام قال " { إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة ونفقته الدينار والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره } " . ا هـ . ( قوله { أجري عليه عمله ورزقه } ) قال السرخسي وقوله : { أجري عليه عمله } نمى له عمله ، وذلك في كتاب الله تعالى - { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } - وقال عليه الصلاة والسلام " { من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة } " فهذا هو المراد أيضا في كل من مات مرابطا أنه يجعل بمنزلة المرابط إلى فناء الدنيا فيما يجرى له من الثواب ; لأن نيته استدامة الرباط لو بقي حيا إلى فناء الدنيا والثواب بحسب النية . ا هـ .

[ ص: 122 ] قلت : ومقتضاه أن المراد بإجراء العمل دوام ثواب الرباط كما صرح به في حديث آخر ذكره السرخسي { ومن قتل مجاهدا أو مات مرابطا فحرام على الأرض أن تأكل لحمه ودمه ولم يخرج من الدنيا ، حتى يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وحتى يرى مقعده من الجنة وزوجته من الحور العين وحتى يشفع في سبعين من أهل بيته ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة } وظاهره أن من مات مرابطا يكون حيا في قبره كالشهيد وبه يظهر معنى إجراء رزقه عليه

. مطلب في بيان من يجرى عليهم الأجر بعد الموت [ تنبيه ] قال الشارح في شرحه على الملتقى قد نظم شيخنا الشيخ عبد الباقي الحنبلي المحدث ثلاثة عشر ممن يجري عليه الأجر بعد الموت على ما جاء في الأحاديث وأصلها للحافظ الأسيوطي رحمه الله تعالى فقال :

إذا مات ابن آدم جاء يجري عليه الأجر عد ثلاث عشر علوم بثها ودعاء نجل
وغرس النخل والصدقات تجري وراثة مصحف ورباط ثغر
وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي
إليه أو بناء محل ذكر وتعليم لقرآن كريم
شهيد للقتال لأجل بر كذا من سن صالحة ليقفى
فخذها من أحاديث بشعر

.

مطلب المرابط لا يسأل في القبر كالشهيد ( قوله وأمن الفتان ) ضبط أمن بفتح الهمزة وكسر الميم بلا واو وأومن بضم الهمزة وبزيادة واو وضبط الفتان بفتح الفاء أي فتان القبر وفي رواية أبي داود في سننه " { وأمن من فتاني القبر } " وبضمها جمع فاتن قال القرطبي : وتكون للجنس أي كل ذي فتنة .

قلت : أو المراد فتان القبر من إطلاق صفة الجمع على اثنين أو على أنهم أكثر من اثنين فقد ورد أن فتان القبر ثلاثة أو أربعة وقد استدل غير واحد بهذا الحديث على أن المرابط لا يسأل في قبره كالشهيد علقمي على الجامع الصغير




الخدمات العلمية