الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                224 ص: وكان مما روي عن النبي - عليه السلام - ما يوافق ما ذهبوا إليه في ذلك ما حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد وابن جريج ، وابن سمعان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال: " ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى امرأة من الأنصار ومعه أصحابه، فقربت لهم شاة مصلية، فأكل وأكلنا ثم حانت [ ص: 375 ] الظهر، فتوضأ وصلى، ثم رجع إلى فضل طعامه فأكل، ثم حانت العصر، فصلى ولم يتوضأ". .

                                                قال أبو جعفر : -رحمه الله-: إنه صلى الظهر والعصر بوضوئه الذي كان في وقت الظهر.

                                                التالي السابق


                                                ش: "ما يوافق" في محل الرفع لاستناد "روي" إليه.

                                                وقوله: "ما حدثنا" اسم لكان وخبره "مما روي".

                                                وقوله: "ما ذهبوا إليه" في محل النصب; لأنه مفعول "يوافق" أي ما يوافق ما ذهب إليه أكثر العلماء.

                                                وقوله: "في ذلك" أي في أن الوضوء لا يجب إلا من حدث .

                                                وإسناد الحديث المذكور صحيح على شرط مسلم ، وابن وهب هو عبد الله بن وهب ، وابن جريج هو عبد الملك بن جريج .

                                                وابن سمعان هو عبد الله بن زياد بن سمعان ، كذبه أبو داود ، وتركه النسائي ، ولا يضر هذا صحة الإسناد; فإن ابن وهب رواه عن أسامة وابن جريج ، وهما كافيان لصحة الإسناد، ولا يلتفت إلى ابن سمعان بينهم.

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا ابن أبي عمر ، ثنا سفيان بن عيينة ، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، سمع جابر بن عبد الله -قال سفيان : وحدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر - قال: "خرج رسول الله - عليه السلام - وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار ، فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب فأكل منه، ثم توضأ للظهر وصلى ثم انصرف، فأتته بعلالة من علالة الشاة فأكل، ثم صلى العصر ولم يتوضأ" .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" نحو رواية الطحاوي ، وقال النووي في شرح المهذب: إسناد هذا الحديث صحيح على شرط مسلم .

                                                [ ص: 376 ] وأخرج أبو داود : ثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي ، قال: نا حجاج ، قال: نا ابن جريج ، أخبرني محمد بن المنكدر ، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "قربت للنبي - عليه السلام - خبزا ولحما، فأكل، ثم دعى بوضوء فتوضأ، ثم صلى الظهر، ثم دعى بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ" .

                                                قوله: "إلى امرأة من الأنصار " هي عمرة بنت حزم أخت عمرو بن حزم ، قاله ابن منده وأبو عمر ، وقال أبو نعيم : عمرة بنت حزام ، وكانت تحت سعد بن الربيع ، فقتل عنها يوم أحد. وقال ابن الأثير : روى يحيى بن أيوب ، عن محمد بن ثابت البناني ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، عن عمرة بنت حزم : "أنها جعلت النبي - عليه السلام - في صور نخل كنسته ورشته، وذبحت له شاة، فأكل منها وتوضأ وصلى الظهر، ثم قدمت له من لحمها فأكل وصلى العصر ولم يتوضأ" رواه أبو نعيم ، عن الطبراني ، عن يحيى بن عثمان بن صالح ، عن عمرو بن الربيع بن طارق ، عن يحيى بإسناده، وقال: عمرة بنت حزام .

                                                ورواه ابن منده بإسناده: عن محمد بن إسحاق الصاغاني ، وأبي حاتم الرازي ، عن عمرو بن الربيع ، عن يحيى بن أيوب ، عن محمد فقالا: عمرة بنت حزم .

                                                قوله: "فقربت" بتشديد الراء.

                                                قوله: "مصلية" أي مشوية، يقال: صليت اللحم -بالتخفيف- أي شويته، فهو مصلي، فأما إذا أحرقته وألقيته في النار قلت: صليته -بالتشديد- وأصليته.

                                                قوله: "ثم حانت الظهر" أي آنت يعني حضرت، من الحين، وهو الوقت.

                                                قوله: "فأتته بقناع" بكسر القاف، وهو الطبق الذي يؤكل عليه، ويقال له القنع -بالكسر والضم- وقيل: القناع جمعه.

                                                [ ص: 377 ] وقال الجوهري القناع: الطبق من عسب النخل، وكذلك القنع.

                                                وفي "الدستور": هو طبق الفاكهة، وبالفارسية: طبق مره.

                                                قوله: "بعلالة" بضم العين المهملة أي ببقية لحم الشاة، ويقال لبقية اللبن في الضرع، وبقية قوة الشيخ، وبقية جري الفرس: علالة، وقيل: علالة الشاة: ما يتعلل به شيئا بعد شيء، من العلل: الشرب بعد الشرب.

                                                قوله: "صور" بفتح الصاد وسكون الواو، وهو النخل المجتمع الصغار، لا واحد له، ويجمع على صيران.

                                                ويستفاد منه ما ذكره الطحاوي ، وجواز العود إلى فضلة الطعام، وجواز ترك الوضوء مما مسته النار.




                                                الخدمات العلمية