الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1 ص: حدثنا محمد بن خزيمة بن راشد البصري ، قال: حدثنا الحجاج بن منهال ، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري : - رضي الله عنه - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ من بئر بضاعة، ، فقيل: يا رسول الله، إنه تلقى فيها الجيف والمحائض. فقال: إن الماء لا ينجس". .

                                                [ ص: 51 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 51 ] ش: محمد بن خزيمة وثقه ابن يونس وقال: توفي بالإسكندرية سنة ست وسبعين ومائتين.

                                                والحجاج بن منهال الأنماطي أبو محمد البصري ، روى له الجماعة.

                                                وحماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري ، روى له الجماعة; البخاري مستشهدا.

                                                ومحمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المدني ، روى له الجماعة; البخاري مستشهدا ومسلم في المتابعات.

                                                وعبيد الله -بتصغير العبد- بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري العدوي ، وقيل: عبيد الله بن عبد الله -بتصغير الابن وتكبير الأب- بن رافع بن خديج ، وقيل: عبد الله بن عبد الله بالتكبير فيهما.

                                                وقيل: إنهما اثنان، وثقه ابن حبان ، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي .

                                                وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك ، مشهور باسمه وكنيته.

                                                والحديث أخرجه الثلاثة، فقال أبو داود : حدثنا ابن العلاء والحسن بن علي ومحمد بن سليمان الأنباري ، قالوا: حدثنا أبو أسامة ، عن الوليد بن كثير ، عن محمد بن كعب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج ، عن أبي سعيد الخدري : "أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر تطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الماء طهور لا ينجسه شيء" .

                                                وقال الترمذي : حدثنا هناد والحسن بن علي الخلال وغير واحد، قالوا: حدثنا أبو أسامة ، عن الوليد بن كثير ، عن محمد بن كعب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج ، عن أبي سعيد الخدري : "قيل: يا رسول الله، أتتوضأ من بئر [ ص: 52 ] بضاعة وهي بئر تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الماء طهور لا ينجسه شيء" .

                                                وقال النسائي : أخبرني هارون بن عبد الله ، ثنا أبو أسامة ، ثنا الوليد بن كثير ، ثنا محمد بن كعب القرظي ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ، عن أبي سعيد الخدري قال: "قيل: يا رسول الله، أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر تطرح فيها لحوم الكلاب والحيض والنتن؟! فقال: الماء طهور لا ينجسه شيء" .

                                                وأخرجه أيضا أحمد والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم، والدارقطني والبيهقي في سننهما، وقال أحمد : "هو صحيح".

                                                وقال الترمذي : هذا حديث حسن.

                                                فإن قلت: قال ابن القطان : هو ضعيف; لأن مداره على أبي أسامة عن محمد بن كعب ، واختلف على أبي أسامة في الواسطة الذي بين محمد بن كعب وأبي سعيد على خمسة أقوال: عبد الله بن عبد الله بن رافع ، وعبيد الله بن عبد الله بن رافع ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن رافع ، وعبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ، وعبد الرحمن بن رافع ، وكيف ما كان لا نعرف له حالا ولا عينا.

                                                قلت: القول ما قال أحمد "إذا قالت حذام فصدقوها".

                                                ووثق ابن حبان عبيد الله بن عبد الله وعبيد الله بن عبد الرحمن وعقد لهما ترجمتين، وهما عند البخاري واحد، بل الخمسة المذكورون عند ابن القطان واحد عند البخاري ، فعلى هذا ما أحقه أن يكون صحيحا ولما أخرجه ابن منده من رواية [ ص: 53 ] محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع قال: هذا إسناد مشهور، ولكن تركه البخاري ومسلم لاختلاف في إسناده.

                                                وله طريق حسن من غير رواية أبي سعيد ، من رواية سهل بن سعد .

                                                قال قاسم بن أصبغ : ثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة الحلبي بحلب ، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه، عن سهل بن سعد : "قالوا: يا رسول الله، إنك تتوضأ من بئر بضاعة وفيها ما ينجي الناس والمحائض والجيف! فقال رسول الله - عليه السلام -: الماء لا ينجسه شيء" . قال قاسم : هذا من أحسن شيء في بئر بضاعة . وقال ابن حزم في كتاب "الإيصال": عبد الصمد بن أبي سكينة ثقة مشهور.

                                                وقول ابن القطان في تضعيفه مرجوح، وأكثر ما فيه أنه جهل من عرفه غيره، وإذا صح من طريق لا يضره أن يروى من طريق أخرى غير صحيحة، فالضعيف لا يعل الصحيح.

                                                قوله: "تتوضأ" من باب تفعل وثلاثيه "وضأ" على وزن فعل بالضم، قال الجوهري : الوضاءة الحسن والنظافة، تقول منه وضؤ الرجل أي صار وضيئا، وتوضأت للصلاة، ولا تقل: توضيت، وبعضهم يقوله.

                                                و"البئر" يجمع في القلة أبؤر وأبآر بهمز بعد الباء، ومن العرب من يقلب الهمزة فيقول: آبار، فإذا كثرت فهي البئار وقد بأرت بئرا، والبئرة هي الحفرة، وقال أبو زيد : بأرت أبأر بأرا: حفرت بؤرة يطبخ فيها، وهي الإرة والبئيرة على فعيلة: الذخيرة.

                                                و"البضاعة" بضم الباء هو المشهور، وذكر الجوهري الضم والكسر وبعدها ضاد معجمة وعين مهملة وحكي أيضا بالصاد المهملة، وقال المنذري : بئر بضاعة دار لبني ساعدة بالمدينة ، وبئرها معلوم، وبها مال من أموال أهل المدينة . وفي بعض شروح الهداية: بئر بضاعة بئر بالمدينة قديمة ماؤها يجري في البساتين.

                                                [ ص: 54 ] قوله: "يلقى" من ألقيت الشيء إذا طرحته، يقال: ألقه من يدك، وألق به من يدك، وألقيت إليك المودة، وألقيت عليه ألقية كقولك: ألقيت عليه أحجية.

                                                و"الجيف" جمع جيفة، وقال الجوهري : الجيفة جثة الميت وقد أراح، تقول منه: جيف تجييفا، والجمع: جيف ثم أجياف.

                                                و"المحائض" جمع محيضة وهي خرقة الحيض، وكذلك الحيض -بكسر الحاء وفتح الياء- جمع حيضة -بكسر الحاء وسكون الياء- وهي خرقة الحيض وقال ابن الأثير : "وقيل: المحائض جمع محيض وهو مصدر خاص فلما سمى به جمعه، ويقع المحيض على المصدر والزمان والمكان والدم".

                                                و"النتن" الرائحة الكريهة وتقع أيضا على كل مستقبح.

                                                و"عذر الناس" -بفتح العين وكسر الذال المعجمة- اسم جنس للعذرة، وضبط أيضا بكسر العين وفتح الذال كمعد ومعد وكلاهما صحيح، وضم العين تصحيف.

                                                قوله: "ما ينجي الناس" بضم الياء بعدها نون ساكنة ثم جيم، والناس مرفوع على الفاعلية، يقال: أنجى الرجل إذا أحدث.

                                                قوله: "لا ينجس" من نجس ينجس من باب علم يعلم، ونجسا ونجسا ونجاسة، ويقال: في نجس لغتان ضم الجيم وكسرها فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع، ومن ضمها ضمها في المستقبل أيضا.

                                                قوله: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" بفتح الهمزة في محل النصب على أنه مفعول "روى" المقدر; لأن التقدير: عن أبي سعيد الخدري روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و"كان" من الأفعال الناقصة وهي أم الباب لكثرة أقسامها ودلالتها على الكون إذا كانت تامة وكل شيء داخل تحت الكون.

                                                قوله: "إنه" الضمير فيه للشأن، ولما كانوا مترددين في حال بئر "بضاعة" بحسب ما يلقى فيها من المحائض ونحوها أكد رسول الله - عليه السلام - جوابه بنوع من المؤكد فقال: "إن الماء لا ينجس" وقد علم أن "إن" تدخل الكلام للتأكيد ولكن البلاغة أن يراعى [ ص: 55 ] فيه الحال فإن كان المخاطب خالي الذهن يستغنى عن المؤكد، وإن كان متصورا لطرفي الخبر مترددا فيه حسن تقويته بمؤكد، وإن كان منكرا للحكم وجب توكيده بحسب الإنكار، والألف واللام في "إن الماء" للعهد أي ماء بئر بضاعة ولا يصح أن يكون للاستغراق; لأنه يلزم أن يكون كل فرد من أفراد الماء طاهرا وليس كذلك، ولئن سلم أنه للاستغراق ولكنه مخصوص بوجهين:

                                                الأول: مجمع عليه، وهو المتغير بالنجاسة.

                                                والثاني: مختلف فيه، وهو إذا كان دون القلتين كما قال به الشافعي وأحمد ، وسيأتي كيفية استنباط الحكم بهذا الحديث في اختلاف العلماء، ولما أخرج الترمذي هذا الحديث قال: وفي الباب عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم.

                                                أما حديث ابن عباس فأخرجه أبو يعلى بإسناد صحيح عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء لا ينجسه شيء" .

                                                وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في "الأوسط": حدثنا أحمد ، ثنا أبو الربيع عبيد الله بن محمد الحارثي ، ثنا أبو أحمد الزبيري ، ثنا شريك ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الماء لا ينجسه شيء" لم يروه عن المقدام إلا شريك ، ورواه البزار : عن عمر بن علي ، عن أبي أحمد .




                                                الخدمات العلمية