الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 21 ] ( فصل )

                                                                                                                              في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض ( ينبغي ) لمن ورثته أغنياء أو فقراء ( أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله ) بل الأحسن أن ينقص منه شيئا ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استكثره فقال الثلث والثلث كثير ومن ثم صرح جمع بكراهة الزيادة عليه ، وأما تصريح آخرين بحرمتها فهو ضعيف وإن قصد بذلك حرمان ورثته كما علم مما قدمته في شرح قوله في الوقف كعمارة الكنائس فباطل ، وأيضا فهو لا حرمان منه أصلا أما الثلث فلأن الشارع وسع له في ثلثه ليتدارك به ما فرط منه فلم يؤثر قصده به ذلك ، وأما الزائد عليه فهو إنما ينفذ إن أجازوه ومع إجازتهم لا ينسب إليه حرمان فهو لا يؤثر قصده وتحريم عقد الفضولي لا يشهد للقائلين بالتحريم هنا خلافا لمن زعمه ؛ لأنه تلبس بعقد فاسد ولا كذلك هنا ؛ لأن الملك له فصح التصرف فيه ألا ترى أنه لو برأ نفذ لكنه غير لازم لجواز إبطاله له ولوارثه ، ومن ثم كان الأصح أن إجازته تنفيذ لا ابتداء عطية ( فإن زاد ) على الثلث ( ورد الوارث ) الخاص المطلق التصرف الزيادة ( بطلت ) الوصية ( في الزائد ) إجماعا ؛ لأنه حقه فإن كان عاما بطلت ابتداء من غير رد ؛ لأن الحق للمسلمين فلا مجيز .

                                                                                                                              ( وإن أجاز ) وهو مطلق التصرف وإلا لم تصح إجازته ولا رده [ ص: 22 ] بل توقف لكماله على الأوجه كما مر بما فيه مع فروع أخر تأتي هنا قيل محله إن رجي وإلا كجنون مستحكم أيس من برئه بطلت الوصية وهو متجه إن غلب على الظن ذلك بأن شهد به خبيران وإلا فلا ؛ لأن تصرف الموصي وقع صحيحا كما تقرر فلا يبطله إلا مانع قوي وعلى كل فمتى برأ وأجاز بان نفوذها ( فإجازته تنفيذ ) أي إمضاء لتصرف الموصي بالزيادة على الثلث لصحته كما مر وحق الوارث إنما يثبت في ثاني الحال فأشبه عفو الشفيع ( وفي قول عطية مبتدأة والوصية بالزيادة لغو ) لنهيه صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص عن الوصية بالنصف وبالثلثين رواه الشيخان ويجاب بأن النهي إنما يقتضي الفساد إن كان لذات الشيء أو لازمه وهو هنا ليس كذلك ؛ لأنه لخارج عنه وهو رعاية الوارث ، وإن توقف الأمر على إجازته وعلى الأول لا يحتاج للفظ هبة وتجديد قبول وقبض ولا رجوع للمجيز قبل القبض وتنفذ من المفلس وعليهما لا بد من معرفته لقدر ما يجيزه مع التركة إن كانت بمشاع لا معين ومن ثم لو أجاز وقال ظننت قلة المال أو كثرته ولم أعلم كميته وهي بمشاع حلف أنه لا يعلم ، ونفذت فيما ظنه فقط أو بمعين لم يقبل

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض ( قوله ومن ثم صرح جمع بكراهة الزيادة عليه ) لا يقال فلتبطل الوصية حينئذ ؛ لأن الوصية بالمكروه باطلة ، ؛ لأنا نقول الوصية بالمكروه هنا وقعت تابعة للوصية بالأصل التي هي غير مكروهة بل مطلوبة ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره ويمكن أن يدعى أن المكروه الوصية بالزيادة لا الزيادة والباطل الوصية بالمكروه لا الوصية المكروهة ، وظاهر أن الكراهة عند الوصية كقوله أوصيت بثلاثة أرباع مالي وكذا بمائة وماله مائتان نعم إن غلب على ظنه حصول مال آخر بحيث تصير المائة ثلثا أو أقل فينبغي عدم الكراهة وظاهر أنه لا يتأتى النظر لحال الموت بالنسبة للكراهة حتى يحكم بها فيما لو كان الموصى به دون الثلث إذا صار عند الموت فوق الثلث فليتأمل ( قوله في المتن وإن أجاز إلخ ) عبارة الروض وإلا أي وإن كانت الوصية بالزيادة ممن له وارث خاص فموقوفة أي في الزائد على إجازة الورثة قال في شرحه إن كانوا حائزين ، ثم قال وإن لم يكونوا حائزين فباطلة في قدر ما يخص غيرهم من الزائد ا هـ وينبغي أن [ ص: 22 ] المراد الحائزين ولو بطريق الرد بشرطه فليتأمل وينبغي أن يراد بقوله وإن لم يكونوا ما إذا ورث معهم بيت المال أما إذا أجاز بعض الورثة فلا ينبغي أن يقال إنها باطلة فيما يخص غيرهم بل يوقف فيما يخص غيرهم ( قوله بطلت الوصية وهو متجه إن غلب إلخ ) فلو قلنا بالبطلان حينئذ وتصرف في جميع المال ، ثم برأ وأجاز وبان نفوذها كما سيأتي فهل يتبين بطلان التصرف أو صحته على قياس ما يأتي في ولو أوصى بعين حاضرة إلخ فيه نظر ( قوله ؛ لأنه الخارج عنه ) هذا لا يصح أن يرد به كونه للازم ؛ لأن اللازم الخارج فكونه بخارج لا ينافي اللزوم ، ولعل الوجه أن يقال النهي عن الزيادة لأمر لازم للوصية وهو التفويت على الوارث لكنه لازم أعم لحصول التفويت بغير الوصية والنهي للازم الأعم لا يقتضي الفساد كما أوضحناه في تعليقنا على جمع الجوامع [ ص: 23 ] وشرحه للمحلي المسمى بالآيات البينات



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض ( قوله في الوصية ) إلى قوله وأيضا في النهاية والمغني ( قوله وحكم التبرعات إلخ ) أي وما يلحق بذلك كالوصية بحاضر هو ثلث ماله ا هـ ع ش ( قول المتن ينبغي ) أي يطلب منه على سبيل الندب ا هـ مغني ( قوله بل الأحسن أن ينقص إلخ ) أي ؛ لأن الوصية بالثلث خلاف الأولى ا هـ ع ش عبارة المغني ويسن أن ينقص عن الثلث شيئا خروجا من خلاف من أوجب ذلك ولاستكثار الثلث في الخبر ، وسواء كانت الورثة أغنياء أم لا وإن قال المصنف في شرح مسلم إنهم إذا كانوا أغنياء لا يستحب النقص وإلا استحب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فقال الثلث ) قال النووي في شرح مسلم يجوز نصب الثلث على الإغراء أو بتقدير أعط ورفعه على أنه فاعل أي يكفيك الثلث أو مبتدأ حذف خبره أو خبر لمحذوف ا هـ أي الثلث كافيك أو كافيك الثلث ا هـ ع ش ( قوله ومن ثم إلخ ) أي من أجل ابتغاء ما ذكر وندبه ( قوله صرح جمع إلخ ) معتمد وقوله بكراهة الزيادة أي وقت الوصية فيما يظهر إذ لا نعلم حال المال وقت الموت ا هـ ع ش عبارة سم ولم تبطل الوصية مع كراهتها ؛ لأنها وقعت تابعة للوصية بالأصل المطلوبة ، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره ، وظاهر أنه لا يتأتى النظر لحال الموت بالنسبة للكراهة ، وأن الكراهة إنما هي عند الوصية كقوله أوصيت بثلاثة أرباع مالي وكذا بمائة وماله مائتان نعم إن غلب على ظنه حصول مال آخر بحيث يصير المائة ثلثا أو أقل فينبغي عدم الكراهة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وإن قصد بذلك ) أي بالثلث والزائد عليه كذا يفيد قوله الآتي أما الثلث إلخ وكان الأولى الاقتصار على الزائد على الثلث كما فعله غيره ؛ لأن قول الحرمة مع قصد الحرمان ما سبق في كلامه .

                                                                                                                              ( قوله فهو ) أي الحرمان ( قوله ولا كذلك ) يمنعه ما تقدم في الشارح غير مرة من عد الوصية عقدا وقوله لأن الملك له إلخ لا يخفى ما في تقريبه ( قوله لو برأ ) أي من زاد تبرعه المنجز في المرض المخوف على الثلث من ذلك المرض ، وقوله نفذ أي بان نفوذ تصرفه في الكل كما يأتي في فصل المرض المخوف ( قوله لكنه إلخ ) استدراك على صحة التصرف .

                                                                                                                              ( قوله لجواز إبطاله ) أي التصرف وقوله له إلخ أي للموصي متعلق بالجواز ( قوله ومن ثم ) أي من أجل صحة ذلك التصرف ( قوله أن إجازته ) أي الوارث ( قول المتن ورد الوارث إلخ ) أي الحائز ولو بالرد بشرطه وإلا بأن كان وارث خاص آخر فتبطل فيما يخصه من الزائد فقط ا هـ سم ( قوله الخاص ) إلى قول المتن وفي قول في المغني إلا قوله بأن شهد إلى المتن وإلى قول المتن ويعتبر من الثلث في النهاية ( قوله فإن كان عاما بطلت ) أي في الزائد ا هـ ع ش ( قول المتن وإن أجاز ) أي الوارث الخاص إن كان حائزا وإن لم يكن حائزا فباطلة في قدر ما يخص الآخر إن كان بيت المال وموقوفة فيه إن كان غيره ا هـ سم ( قول المتن وإن أجاز ) [ ص: 22 ] أي بنحو أجزت الوصية أو أمضيتها أو رضيت بما فعله الموصي ا هـ ع ش ( قوله بل توقف ) أي الوصية ا هـ رشيدي ( قوله كما مر ) أي في شرح إن أجاز باقي الورثة ( قوله محله ) أي الوقف إن رجي أي الكمال ( قوله بطلت الوصية ) أي ظاهرا لما يأتي من أنه لو أفاق وأجاز نبذت إجازته ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله وهو متجه إلخ ) وحينئذ لو تصرف في جميع المال ، ثم برأ وأجاز فهل يتبين بطلان التصرف وصحته على قياس ما سيأتي في ولو أوصى بعين حاضرة إلخ ؟ فيه نظر ا هـ سم وجه النظر أنه قد تبين فيما سيأتي عدم المانع ، وكون التصرف في ملكه في نفس الأمر بخلاف ما هنا فإن الملك فيه موقوف على الإجازة ، فالتصرف قبلها تصرف في غير ملكه فيكون باطلا ( قوله وعلى كل ) أي سواء أيس من برئه أم لا ا هـ ع ش ( قوله بان نفوذها ) أي الوصية بالزائد على الثلث ( قوله كما مر ) أي آنفا ( قوله في ثاني الحال ) أي بعد الموت وأول الحال ما قبله وقول ع ش وهو بعد الإجازة لا وقت الموت ا هـ فيه نظر ظاهر ( قوله فأشبه ) أي إجازة الوارث فكان الأولى التأنيث عبارة المغني فأشبه بيع الشقص المشفوع ا هـ وهي ظاهرة لفظا لرجوع الضمير للتصرف ( قوله عفو الشفيع ) أي من حيث كونه بعد البيع لا قبله ا هـ ع ش ( قول المتن والوصية إلخ ) من جملة هذا القول ا هـ ع ش عبارة المغني وقوله والوصية إلخ لا فائدة له بعد الحكم بأن الزيادة عطية من الوارث ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ؛ لأنه الخارج عنه إلخ ) فيه أن خروجه لا ينافي لزومه ، ولعل الوجه أن يقال النهي عن الزيادة لأمر لازم للوصية وهو التفويت على الوارث لكنه لازم أعم لحصول التفويت بغير الوصية ، والنهي للازم الأعم لا يقتضي الفساد كما أوضحناه في الآيات البينات ا هـ سم وأقره الرشيدي ( قوله وعلى الأول إلخ ) أي التنفيذ بيان لثمرة الخلاف ( قوله وقبض ) أي إقباض عطف على لفظ هبة أو على قبول ( قوله ولا رجوع للمجيز ) أي صحيح ا هـ ع ش ( قوله قبل القبض ) متعلق بالمجيز ( قوله وتنفذ ) أي الإجازة ا هـ ع ش ( قوله وعليهما لا بد إلخ ) لم يظهر وجه اشتراط معرفة التركة على القول بأنها هبة فليتأمل ، وقد يقال عليهما معا أن معرفة القدر المجاز فيما إذا كانت بمشاع كنصف مثلا تستلزم معرفة التركة فما فائدة اشتراط معرفتها أيضا فليتأمل ا هـ سيد عمر أقول عبارة النهاية من التركة بمن الجارة بدل مع وهي سالمة عن الإشكال ، ويمكن الجواب بأن معرفة قدر الجزء تتوقف على معرفة قدر كله ، وما ادعاه من الاستلزام ممنوع .

                                                                                                                              ثم رأيت في حاشية عبد الله باقشير ما نصه قوله لقدر ما يجيزه أي أهو الربع أو الثمن مثلا مع معرفة التركة أهي قماش أم عقار ، وقد رآها فقوله مع التركة متعين وما وجد في بعض الهوامش عن شيخنا السيد يلزم من معرفة القدر معرفة التركة بعيد جدا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله مع التركة ) أي لا بد أن يعرف الوارث قدر الزائد عن الثلث وقدر التركة فلو جهل أحدهما لم تصح كالإبراء من المجهول زيادي ا هـ بجيرمي ( قوله بمشاع ) الأولى بغير معين كما في المغني ( قوله حلف إلخ ) أي صدق بيمينه في دعوى الجهل إن لم تقم بينة بعلمه فإن أقيمت لم يصدق وتنفذ في الجميع مغني وعناني ( قوله ونفذت فيما ظنه ) أي وإن قل وظاهره وإن دلت القرينة على كذبه ا هـ ع ش ( قوله أو بمعين ) عطف على بمشاع ( قوله لم يقبل ) أي لم يؤثر ؛ لأن الجهل به لا يضر في صحة الإجازة ، ولو عبر به لكان أولى ولعل الفرق بين المعين والمشاع أن المعين يغلب الاطلاع عليه فيبعد عدم معرفته به قبل إجازته بخلاف جملة التركة فإنها قد تخفى على الوارث حتى يظن قلة التركة ا هـ ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية