الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( كتب ناطق ) أو أخرس ( طلاقا ) ( ولم ينوه فلغو ) إذ لا لفظ ولا نية ( وإن نواه ) ومثله كل عقد وحل وغيرهما ما عدا النكاح ولم يتلفظ بما كتبه ( فالأظهر وقوعه ) لإفادتها حينئذ ، وإن تلفظ به ولم ينوه عند التلفظ ولا الكتابة وقال إنما قصدت قراءة المكتوب فقط صدق بيمينه ( وإن كتب إذا بلغك كتابي فأنت طالق ) ونوى الطلاق ( فإنما تطلق ببلوغه ) إن كان فيه صيغة الطلاق [ ص: 437 ] كهذه الصيغة بأن أمكن قراءتها وإن انمحت لأنها المقصودة أصالة ، بخلاف ما سواها من السوابق واللواحق ، فإن انمحى سطر الطلاق فلا وقوع وقيل إن قال كتابي هذا أو الكتاب لم يقع أو كتابي وقع وصححه المصنف في تصحيح التنبيه ، ونقله الروياني عن الأصحاب ، أما لو قال إذا جاءك خطي فأنت طالق فذهب بعضه وبقي البعض وقع الطلاق وإن لم يكن فيما بقي ذكر الطلاق ، وخرج بكتب ما لو أمر غيره فكتب ونوى هو فلا يقع شيء ، بخلاف ما لو أمره بالكتابة أو كناية أخرى وبالنية فامتثل ونوى وبقوله فأنت طالق ما لو كتب كناية كأنت خلية فلا يقع وإن نوى إذ لا يكون للكناية كناية على ما حكاه ابن الرفعة عن الرافعي ، وهو مردود بأن الذي فيه الجزم بالوقوع قال الأذرعي : وهو الصحيح لأنا إذا اعتبرنا الكتابة قدرنا أنه تلفظ بالمكتوب ( وإن ) ( كتب إذا قرأت كتابي وهي قارئة فقرأته ) أي صيغة الطلاق منه نظير ما مر وإن لم تفهمه أو طالعته وفهمت ما فيه وإن لم تتلفظ بشيء كما نقله الإمام عن اتفاق علمائنا ( طلقت ) لوجود المعلق عليه ، نعم لو قال الزوج إنما أردت القراءة باللفظ قبل قوله فلا تطلق إلا بها ، والفرق بين إطلاق قراءتها إياه على مطالعتها إياه وإن لم تتلفظ به ومن جواز إجراء ذي الحدث الأكبر القرآن على قلبه ونظره في المصحف ظاهر ، والأوجه عدم الفرق بين ظنه كونها أمية أو لا إذ اللفظ لا ينصرف عن حقيقته إلا عند التعذر ومجرد ظنه لا يصرفه عنها ( وإن قرئ عليها فلا ) طلاق ( في الأصح ) لعدم قراءتها مع [ ص: 438 ] إمكانها ، وإنما انعزل القاضي في نظير ذلك لأن العادة في الحكام أن يقرأ عليهم المكاتيب فالقصد إعلامه دون قراءته بنفسه بخلاف ما هنا ، وأيضا فالعزل لا يصح تعليقه فتعين إرادة إعلامه به بخلاف الطلاق .

                                                                                                                            والثاني تطلق لأن المقصود اطلاعها على ما في الكتاب وقد وجد ( وإن لم تكن قارئة فقرئ عليها طلقت ) إن علم الزوج بأنها أمية لأن القراءة في حق الأمي محمولة على الاطلاع على ما في الكتاب وقد وجد ، بخلاف ما إذا جهل حالها فلا تطلق نظرا إلى حقيقة اللفظ .

                                                                                                                            قال الأذرعي : مفهومه اشتراط قراءته عليها فلو طالعه وفهمه أو قرأها خاليا ثم أخبرها بذلك لم تطلق ولم أر فيه نصا ، ويحتمل أنه يكتفى بذلك إذ الغرض الاطلاع على ما فيه ، وبقي ما لو علق بقراءتها وكانت قارئة وهو يعلم ثم نسيت القراءة أو عميت ثم جاء الكتاب هل تطلق بقراءة غيرها ولو علقه بقراءتها عالما بأنها غير قارئة ثم تعلمت ووصل كتابه هل تكفي قراءة غيرها ؟ الظاهر الاكتفاء في الثانية نظرا إلى حالة التعليق وعدم الاكتفاء في الأولى لذلك ولا نقل عندي فيهما .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فلغو ) أي ويقبل قوله في ذلك بيمينه كما تقدم في قوله قريبا ، ولو أنكر نيته صدق بيمينه ( قوله : وقال إنما قصدت قراءة إلخ ) بخلاف ما لو قصد الإنشاء أو أطلق ، وعبارة المحلي : فلو تلفظ الناطق بما كتبه وقع به الطلاق إلا أن يقصد قراءة ما كتبه فيقبل ظاهرا في الأصح ا هـ .

                                                                                                                            فأفهم تخصيص الإنشاء بما لو قصد القراءة وقوع الطلاق إذا قصد إنشاءه أو أطلق ( قوله وإن كتب إذا بلغك إلخ ) في الروض وإن علق ببلوغ الطلاق فبلغ موضع الطلاق وقع قطعا وقراءة بعض الكتاب إن علق بقراءته كوصول بعضه إن علق بوصوله ، وإن علق بوصول [ ص: 437 ] الكتاب ثم علق بوصول الطلاق طلقت بوصول الكتاب طلقتين أو بوصول نصف الكتاب فوصل كله طلقت ا هـ .

                                                                                                                            وينبغي إذا علق بوصول الكتاب وبوصول نصفه أن تطلق طلقتين ا هـ سم على حج . وقول سم كوصول بعضه : أي فإن قرأت ما فيه صيغة الطلاق طلقت وإلا فلا ، انظر ما المراد بنصف الكتاب هل هو نصف الورقة المكتوب فيها أو نصف الحروف ، وعليه فهل يعتبر نصف عددها ولو ملفقة من كلام مختلف أو نصف كلماته منتظمة متوالية من الأول ومن الآخر ( قوله كهذه الصيغة ) أي قوله وإن كتب إذا إلخ ( قوله فإن انمحى إلخ ) معتمد ( قوله : وقيل إن قال ) أي وقد انمحى غير سطر إلخ ( قوله ما لو أمر غيره ) أي بكتابة طلاق زوجته ولو بقوله اكتب زوجة فلان طالق ( قوله : ونوى هو ) أي الآمر عند كتابة الغير ( قوله : أو كناية أخرى وبالنية ) يراد أن هذا التوكيل في التعليق ومر أنه لا يصح إلا أن يقال مراده أمره بالكتابة بطلاق منجز ، والغرض منه التنبيه على أنه يشترط كون النية من الآتي بالكتابة أو غيرها وأنه لا يكفي النية من أحدهما والكتابة من الآخر ( قوله : فامتثل ونوى ) أي فإنه يقع ( قوله : وبقوله ) عطف على قوله وخرج ب كتب ( قوله : بأن الذي فيه ) أي الرافعي ( قوله : وهو الصحيح ) معتمد ( قوله : وفهمت ما فيه ) أي لأن ذلك يعد قراءة عرفا ( قوله : قبل قوله ) أي ظاهرا ( قوله ظاهر ) أي وهو أن المقصود ثم عدم تعظيم القرآن ، وهو منتف بالإجراء من غير تلفظ ، والمقصود هنا وجود المعلق عليه من مجرد الإعلام وقد وجد ( قوله : عدم الفرق ) أي في وقوع الطلاق ( قوله فلا طلاق ) أي وإن ظنها حال التعليق أمية [ ص: 438 ] قوله : وإن لم تكن قارئة ) أي في نفس الأمر ( قوله : فقرئ عليها طلقت ) لو قرئ عليها في هذه الحالة وهي نائمة أو مغمى عليها أو مجنونة فهل يكفي لأنه تعليق على صفة أو لا لعدم تأهلها لسماع الكتاب ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن مقصود الزوج اطلاعها على ما في الكتاب وهو منتف في الحالة المذكورة ( قوله : بخلاف ما إذا جهل حالها ) أي كونها قارئة ( قوله : فلا تطلق ) أي بالقراءة عليها وقوله فلو طالعه أي الغير ( قوله : أو قرأها ) أي الصيغة .

                                                                                                                            وقوله لم تطلق معتمد ( قوله : ويحتمل أنه يكتفى بذلك ) أي في الوقوع وهو معتمد حج ونقل سم على منهج عن الشارح عدم الوقوع وهو موافق للاحتمال الأول ( قوله : ثم تعلمت ووصل كتابه ) المتبادر من هذا الصنيع أنها إذا قرأته بنفسها طلقت من أن المقصود من التعليق قراءة غيرها للعلم بأميتها ولعل وجهه ما فهم من وقوع الطلاق أن التعليق في مثل ذلك يراد منه مجرد الإعلام لا خصوص قراءة الغير ( قوله : هل تكفي ) أي لا تكفي قراءتها ( قوله : الاكتفاء في الثانية ) أي وإن قصد قراءتها بنفسها فلا يدين ( قوله وعدم الاكتفاء في الأولى ) أي فلا تطلق .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 437 ] قوله : أو كتابي وقع ) أي وهو صورة المتن ، وحينئذ فلك أن تقول لا مخالفة بين ما في هذا القيل بالنسبة لصورة المتن وبين المتن مع ما أردفه به الشارح فما وجه المقابلة بقيل ، وعبارة الروض وشرحه بعد أن عبر بمثل ما في المتن نصها : ولو انمحى إلا موضع الطلاق طلقت لوصول المقصود وقيل لا ، وقيل تطلق إن قال كتابي كما ذكر لا إن قال كتابي هذا أو الكتاب انتهت ( قوله : وخرج بكتب ) أي في قوله ولو كتب ناطق ( قوله : نعم لو قال الزوج إلخ ) هو استدراك على قوله أو طالعته وفهمت ما فيه إلخ ، وفي نسخة تقديم هذا [ ص: 438 ] الاستدراك على قوله والأوجه إلخ وهي أنسب ( قوله : قال الأذرعي مفهومه ) يعني ما في المتن ( قوله : ولا نقل عندي فيهما ) هو آخر كلام الأذرعي فكان ينبغي للشارح أن يعقبه بقوله . ا هـ .




                                                                                                                            الخدمات العلمية