الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 186 ] مسألة :

" ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ويدخلهما في الغسل " .

لقوله : ( وأيديكم إلى المرافق ) والتثليث لما تقدم ، ويجب غسل المرفقين ؛ لأن المرفق هو من جنس اليد ، وهو مفصل حسي ونهايته متميزة . ومثل هذه الغاية والحد إنما يذكر إذا أريد دخوله في المحدود والمغيا ، كما لو قال : بعتك هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف ، وبعتك هذه الأرض إلى شاطئ النهر ، وقد قيل لأن اسم اليد يتناولها إلى المنكب ، وبقوله " إلى المرافق " لنفي الزيادة على المرفق فيبقى المرفق داخلا في مسمى اليد المطلقة .

وقد روى الدارقطني عن جابر قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه " . وفعله إذا وقع امتثالا لأمر وتفسيرا للمجمل كان مثله في الوجوب ، لا سيما وإدخاله أحوط . وارتفاع الحدث بدونه مشكوك فيه ، والأصل بقاؤه . فإن كان أقطع من دون المرفقين إلى الأصابع غسل ما بقي منه ؛ لأن العجز عن بعض الواجب لا يسقط فعل ما [ ص: 187 ] يقدر عليه منه ؛ لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " متفق عليه .

وإن كان القطع من فوق المرفق سقط الغسل لسقوط محله ، وإن قطعت من مفصل المرفق سقط " الغسل " وغسل رأس العضد في أحد الوجهين ؛ لأن غسلهما إنما وجب تبعا لإبرة الذراع ، إذ لا يمكن غسلها إلا بغسل رأس العضد ، والمنصوص منهما وجوب غسل رأس العضد ؛ لأن المرفق اسم لمجتمع عظم الذراع وعظم العضد ، فإذا ذهب أحدهما وجب غسل الآخر كما لو بقي بعض الذراع . ولو قطعت يد المتيمم من مفصل الكوع سقط مسح ما بقي هناك ، وإن قلنا في الوضوء بغسل ما بقي ؛ لأن الواجب هناك مسح الكفين وقد ذهبا بخلاف الوضوء .

فإن المرفق من جملة محل الفرض هذا أحد الوجهين ، والمنصوص وجوب المسح أيضا ؛ لأن المأمور به مسح اليد إلى الكوع . وإذا عجز الأقطع عن أفعال الطهارة ووجد من ينجيه ويوضئه متبرعا لزم ذلك ، وإن لم يجد إلا بأجرة المثل لزم ذلك أيضا في أشهر الوجهين ، كما يلزمه شراء الماء والاستنابة في الحج ، فإن لم يجد من يطهره فقد عجز عن الطهارة في الحال كعادم الماء فيصلي ، وفي الإعادة وجهان ، وإذا انقلعت جلدة من العضد [ ص: 188 ] حتى تدلت من الذراع وجب غسلها ، وإن انقلعت من الذراع حتى تدلت من العضد لم يجب اعتبارا بأصلها ، ولو انقلعت من أحدهما والتحم رأسها بالآخر غسل ما حاذى موضع الفرض من ظاهرهما وباطنهما المتجافي ، وما تحته ، ولو كانت له يد زائدة أصلها في محل الفرض وجب غسلها كالأصبع الزائدة ، وإن كانت في العضد أو المنكب ، وهي مثل الأصلية وجب غسلها ليؤدي الفرض بيقين ، وإن تميزت فهل يجب غسل ما حاذى محل الفرض منهما على وجهين .

التالي السابق


الخدمات العلمية