الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1602 270 - حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، عن يونس الأيلي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان ردف النبي - صلى الله عليه وسلم- من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قالا: لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم- يلبي حتى رمى جمرة العقبة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في الإرداف والتلبية إلى رمي جمرة العقبة، وهذا طريق ثان لحديث ابن عباس السابق، أخرجه عن زهير، مصغر الزهر: ابن حرب - ضد الصلح- النسائي، بالنون وبالسين المهملة، مات ببغداد سنة أربع وثلاثين ومائتين، وروى عنه مسلم أيضا، ووهب بن جرير، بفتح الجيم وكسر الراء: أبو العباس، وهو يروي عن أبيه جرير بن حازم بن زيد أبو النضر البصري، ويونس بن يزيد الأيلي، والزهري محمد بن مسلم بن شهاب، وعبيد الله، بضم العين، ابن عبد الله، بالفتح، ابن عتبة بن مسعود، أحد الفقهاء السبعة.

                                                                                                                                                                                  وفي هذا السند رواية التابعي عن التابعي، وفيه ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم يروي أحدهم - وهو ابن عباس- عن الآخرين، وهما أسامة بن زيد والفضل بن عباس، وهو معنى قوله: "قال: فكلاهما قالا"؛ أي: قال ابن عباس: فكلاهما، أي: أسامة والفضل، قالا: لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم- يلبي في أوقات حجه حتى رمى، أي: إلى أن رمى جمرة العقبة يوم النحر، (فإن قلت): ذكر أسامة في هذا فيه إشكال؛ لأن مسلما روى هذا الحديث من رواية إبراهيم بن عقبة، قال: " أخبرني كريب أنه سأل أسامة بن زيد: كيف صنعتم حين ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عشية عرفة؟ " الحديث بطوله، وفيه: " حتى جئنا المزدلفة فأقام المغرب، ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلى، ثم حلوا. قلت: وكيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال: ردفه الفضل بن العباس، وانطلقت أنا في سباق قريش على رحلي"، فمقتضى هذا أن يكون أسامة قد سبق إلى رمي الجمرة، فيكون إخباره بمثل ما أخبر به الفضل من التلبية مرسلا. (قلت): لا مانع من رجوعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وإتيانه معه إلى الجمرة، أو أقام بالجمرة حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- ويؤيد هذا ما رواه مسلم أيضا من حديث أم الحصين قالت: " فرأيت أسامة بن زيد وبلالا في حجة الوداع وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم- والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة" واحتج بالحديث المذكور أبو حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحابهم على استمرار التلبية إلى حين رمي جمرة العقبة على ما ذكرناه فيما مضى مفصلا، وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال: حججت مع عمر - رضي الله تعالى عنه- إحدى عشرة حجة، فكان يلبي حتى يرمي الجمرة، وذكر الطحاوي أن الإجماع وقع من الصحابة والتابعين على أن التلبية لا تقع إلا مع رمي جمرة العقبة، إما مع أول حصاة أو بعد تمامها، على اختلاف فيه، ودليل الإجماع أن عمر بن الخطاب كان يلبي غداة المزدلفة بحضور ملأ من الصحابة وغيرهم، فلم ينكر عليه أحد منهم بذلك.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 25 ] وكذلك فعل عبد الله بن الزبير، ولم ينكر عليه أحد ممن كانوا هناك من أهل الآفاق من الشام والعراق واليمن ومصر وغيرها، فصار ذلك إجماعا لا يخالف فيه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية