الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1651 318 - حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثني الزهري عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، حدثه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، ثم قام آخر فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر، نحرت قبل أن أرمي، وأشباه [ ص: 74 ] ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج! لهن كلهن، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته الترجمة تؤخذ من قوله: " يخطب يوم النحر"؛ لأن في رواية صالح بن كيسان ومعمر: على راحلته.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): قال الإسماعيلي : إن صالح بن كيسان تفرد بقوله: " على راحلته".

                                                                                                                                                                                  (قلت): ليس كما قال، فقد ذكر ذلك يونس عند مسلم ومعمر عند أحمد، كلاهما عن الزهري، وقد أشار البخاري إلى ذلك بقوله: " تابعه معمر عن الزهري"؛ أي في قوله: " وقف على راحلته".

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم ستة: الأول: سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس. الثاني: أبوه يحيى بن سعيد المذكور. الثالث: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. الرابع: محمد بن مسلم الزهري. الخامس: عيسى بن طلحة بن عبيد الله. السادس: عبد الله بن عمرو بن العاص.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وبصيغة الإفراد في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه أن شيخه بغدادي وأبوه كوفي، وابن جريج مكي، والزهري وعيسى مدنيان، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، وقد ذكرنا تعدد موضعه ومن أخرجه غيره في كتاب العلم في باب الفتيا وهو على ظهر الدابة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: " شهد النبي صلى الله عليه وسلم" ؛ أي: حضره. قوله: " يخطب يوم النحر" جملة فعلية وقعت حالا؛ أي: يخطب على راحلته كما صرح به في رواية صالح بن كيسان ومعمر بن راشد. قوله: " فقام إليه رجل" لم يدر اسمه، قال شيخنا زين الدين رحمه الله: اختلفت ألفاظ حديث عبد الله بن عمرو في مكان هذا السؤال، ووقفه، ففي الصحيحين: " وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه"، وفي رواية للبخاري: " رأيته عند الجمرة وهو يسأل"، وفي رواية له: " وقف على ناقته"، وعند مسلم: " أتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة"، وفي رواية له: " رأيته على ناقته بمنى"، وفي رواية له: " بينما هو يخطب يوم النحر"، وقال الدارقطني في سننه: قال لنا أبو بكر النيسابوري : ما وجدت "يخطب" إلا في حديث ابن جريج عن الزهري، وهو حسن. انتهى.

                                                                                                                                                                                  وجه الجمع بينها أنه لا اختلاف في المكان. فقوله: " بمنى" لا ينافيه قوله: " عند الجمرة" ؛ لأنها أول منى، وقوله: " على ناقته" مع قوله: " يخطب" لا منافاة أيضا بينهما؛ إذ قد يكون خطب على راحلته، وقال الداودي حكاية عن مالك: معنى يخطب؛ أي: وقف للناس يعلمهم، لا أنها من خطب الحج. قال شيخنا: ويحتمل أنه كان في خطبة يوم النحر، وهي الخطبة الثالثة من خطب الحج.

                                                                                                                                                                                  وأما قوله: " يوم النحر" ؛ فهو معارض لرواية البخاري لحديث ابن عباس" رميت بعدما أمسيت" فهذا يدل على أن السؤال كان بعد المساء؛ إما في الليل، أو في اليوم الذي يليه، أو ما بعده. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا معارضة؛ لأنا قد ذكرنا أن المساء يطلق على ما يطلق عليه العشي والرواح، والعشي يطلق على ما بعد الزوال، وذكر ابن حزم في حجة الوداع أن هذه الأسئلة كانت بعد عوده إلى منى من إفاضة يوم النحر، وقال المحب الطبري: يحتمل أنها تكررت قبله وبعده وفي الليل، والله أعلم. وقال القاضي عياض: يحتمل أن ذلك في موضعين؛ أحدهما: وقف على راحلته عند الجمرة، ولم يقل في هذا الوجه أنه خطب، وإنما فيه أنه وقف وسئل، والثاني: بعد صلاة الظهر يوم النحر وقف للخطبة فخطب، وهي إحدى خطب الحج المشروعة، يعلمهم فيها ما بين أيديهم من المناسك. وقال النووي: وهذا الاحتمال هو الصواب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا" ؛ أي: كنت أظن ـ مثلاـ أن النحر قبل الرمي، وله نظائر، أشار إليه بقوله: " وأشباه ذلك"؛ أي: من الأشياء التي كان يحسبها على خلاف الأصل، ووقع ذلك بعبارات مختلفة؛ ففي رواية يونس عند مسلم: " لم أشعر أن الرمي قبل الحلق فنحرت قبل أن أرمي، وقال آخر: لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر" وفي رواية ابن جريج: " كنت أحسب أن كذا قبل كذا" ووقع في رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم" حلقت قبل أن أرمي، وقال آخر: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي"، وفي حديث معمر عند أحمد زيادة الحلق قبل الرمي، وأيضا: فحاصل ما في حديث عبد الله بن عمرو السؤال عن أربعة أشياء: الحلق قبل الذبح، والحلق قبل الرمي، والنحر قبل الرمي، والإفاضة قبل الرمي. والأولان في حديث ابن عباس أيضا، وعند الدارقطني من حديث ابن عباس أيضا السؤال عن الحلق قبل الرمي، وكذا في حديث جابر، وفي حديث أبي سعيد عند [ ص: 75 ] الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة معا قبل الحلق، وفي حديث جابر الذي علقه البخاري فيما مضى السؤال عن الإفاضة قبل الذبح، وفي حديث أسامة بن شريك عند أبي داود السؤال عن السعي قبل الطواف.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لهن كلهن" اللام فيه إما متعلق بـ"قال"؛ أي قال لأجل هذه الأفعال كلهن: افعل ولا حرج! أو متعلق بمحذوف نحو: قال يوم النحر لهن، أو متعلق بـ"لا حرج"؛ أي: لا حرج لأجلهن عليك.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عن شيء" ؛ أي: من الأمور التي هي وظائف يوم النحر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية