الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4367 4644 - وقال عبد الله بن براد: حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. أو كما قال. [انظر: 4643 - فتح: 8 \ 305]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة ، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس -وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا-

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 368 ] فقال عيينة لابن أخيه … الحديث. ويأتي في: الأحكام وهو من أفراده.

                                                                                                                                                                                                                              والكهل: الذي خطه الشيب. قاله ابن فارس ، وقال المبرد : هو ابن ثلاث وثلاثين سنة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: مؤازرة الإمام أهل الفضل والعلم. وقول عيينة: (هي يا ابن الخطاب ) على معنى التهديد له. وقوله: (ما تعطينا الجزل) أي: ما تجزل لنا من العطايا. وأصل الجزل ما عظم من الحطب، ثم استعير منه: أجزل له في العطاء. واختير في الجدب جزل الحطب؛ لأن اللحم يكون غثا فيبض بنضجه.

                                                                                                                                                                                                                              وكان عيينة من المؤلفة قلوبهم كان فيه جفاء، وقيل: إنه ارتد عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أسلم، وقيل: جيء به أسيرا إلى الصديق فجعل ولدان أهل المدينة يطعنون في كشحه، ويقول له: ارتددت؟! فكان يقول: ما ارتددت ولم أكن أسلمت.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: وأعرض عن الجاهلين كان [قبل] أن يؤمر بقتالهم، وقيل: المراد المؤلفة قلوبهم، وهو ظاهر استشهاد الحر على عمر بالآية، فهي منسوخة بآية السيف. وقيل: لا، إنما هي أمر باحتمال من ظلمه.

                                                                                                                                                                                                                              قال مجاهد فيما ذكره الطبري : خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسس عليهم. وعن ابن عباس وغيره: خذ العفو من أموال المسلمين، وهو الفضل. قال ابن جرير : وأمروا بذلك قبل نزول الزكاة، أي: صدقة كانت تؤخذ قبل الزكاة، ثم نسخت بها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 369 ] والعرف: المعروف كما ذكره البخاري ، ومنه صلة الرحم، وإعطاء من حرم، والعفو عمن ظلم، وقال ابن الجوزي : العرف والمعروف، ما عرف من طاعة الله، وقرأ عيسى بن عمر : (بالعرف) بضمتين، وهما لغتان. وقال الثعلبي : العرف والمعروف والعارف، كل خصلة حميدة.

                                                                                                                                                                                                                              قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                              من يفعل الخير لا يعدم جوائزه لا يذهب العرف بين الله والناس



                                                                                                                                                                                                                              وقال عطاء : وأمر بالعرف لا إله إلا الله وأعرض عن الجاهلين أبي جهل وأصحابه، وقال ابن زيد : لما نزلت هذه الآية قال- عليه السلام: "يا رب كيف والغضب" فنزلت وإما ينزغنك من الشيطان نزغ .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري بعد ذلك: حدثنا يحيى، ثنا وكيع ، عن هشام ، عن أبيه، عن ابن الزبير خذ العفو وأمر بالعرف [الأعراف: 199] قال: ما أنزل الله ذلك إلا في أخلاق الناس.

                                                                                                                                                                                                                              يحيى هذا نسبه أبو علي ابن السكن : ابن موسى الحداني. ونسبه غيره في بعض المواضع: يحيى بن جعفر البلخي ، قاله الجياني.

                                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة أيضا: هذه الآية أمر الله نبيه بها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال النحاس : قول ابن الزبير أولى الأقوال في الآية وما بعدها يدل له وهو وإما ينزغنك من الشيطان نزغ .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 370 ] وقال أيضا: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان الآية.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري : وقال عبد الله بن براد: ثنا أبو أسامة ، قال هشام : أخبرني عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. أو كما قال.

                                                                                                                                                                                                                              عبد الله هذا: هو ابن عامر بن براد بن يوسف بن بريد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، لم يرو عنه البخاري غير هذا التعليق، ولعله أخذه عنه مذاكرة، وأكثر مسلم عنه، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين.

                                                                                                                                                                                                                              ورواه أبو نعيم الحافظ من حديث هناد ، ثنا أبو أسامة حماد بن أسامة، فذكره.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية