الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4346 4622 - حدثنا الفضل بن سهل، حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا أبو الجويرية، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال كان قوم يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل -تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [المائدة: 101] حتى فرغ من الآية كلها. [فتح: 8 \ 280]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه: حدثنا منذر بن الوليد بن ( عبد الرحمن ) الجارودي، أنا أبي، ثنا شعبة ، عن موسى بن أنس ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم- خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا". قال: فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم لهم خنين، فقال رجل: من أبي؟ قال: فلان، فنزلت هذه الآية: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [المائدة: 101].

                                                                                                                                                                                                                              رواه النضر، وروح بن عبادة عن شعبة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 308 ] هذا الحديث أخرجه أيضا في الرقاق والاعتصام، ومسلم والترمذي والنسائي ، ورواية النضر أخرجها مسلم عن جمع، عنه منهم: محمود بن غيلان. وأخرجه الإسماعيلي من حديث خلاد بن أسلم عنه، ورواية روح ستأتي في الاعتصام عن محمد بن عبد الرحيم، عنه. ومسلم عن محمد بن معمر عنه.

                                                                                                                                                                                                                              والخنين هو بخاء معجمة. قال النووي في "شرح مسلم ": هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة.

                                                                                                                                                                                                                              قال القرطبي : وهو المشهور وهو خروج الصوت من الأنف بغنة، وعند العذري بحاء مهملة، وممن ذكرها القاضي وصاحب "التحرير". وقال الخطابي : الحنين بكاء دون الانتحاب. قلت: وأصله من حنين المرأة وهو نزاعها إلى ولدها، وإن لم يكن عند ذلك صوت. وقال ابن فارس : وقد يكون حنينها صوتها، ويدل عليه ما جاء في الحديث من حنين الجذع.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي : وقد يجعلون الحنين والخنين واحدا، لأن الحنين من الصدور، والخنين -بالخاء معجمة- من الأنف. ومنه قول الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 309 ] … فلن يرجع الموتى خنين المآتم.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: هو الفرزدق يخاطب زوجة ومات لهما ابنان، وأوله:


                                                                                                                                                                                                                              فما ابناك إلا من بني الناس فاعلمي … … …



                                                                                                                                                                                                                              وهذا صرح به القزاز يعني: أنهما بمعنى.

                                                                                                                                                                                                                              وأنشد المبرد هذا البيت -بالحاء المهملة- قال: وأنشد له أيضا بالخاء المعجمة، وعند ابن سيده : الخنين من بكاء النساء دون الانتحاب، وقيل: هو تردد البكاء حتى يصير في الصوت غنة. وقيل: هو رفع الصوت بالبكاء، وقيل: صوت يخرج من الأنف خن يخن خنينا. [والخنين] أيضا: الضحك إذا أظهره الإنسان فخرج خافيا والفعل كالفعل، وقال في الحاء المهملة: الحنين: الشديد من البكاء والطرب، وقيل: هو صوت الطرب، كان ذلك عن حزن أو فرح.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قيل: الآية نزلت في قوم كانوا يسألونه - عليه السلام - استهزاء. وسيأتي بعد، وقيل: قال رجل: يا نبي الله، أفرض الحج كل سنة؟ قال: "لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها لكفرتم".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 310 ] وروى أحمد من حديث أبي البختري عن علي - رضي الله عنه - قال: لما نزلت ولله على الناس حج البيت [آل عمران : 97] قال: الحج في كل عام يا رسول الله؟ فسكت، فنزلت لا تسألوا الآية.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: نزلت في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة، ألا ترى أنه بعده ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة قاله سعيد بن جبير حكاه ابن أبي حاتم وقال مقسم : هي فيما سألت الأمم أنبياءها عن الآيات.

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                              إنما نهى عن السؤال؛ لأنه تعالى أحب الستر؛ رحمة لعباده، وأحب أن لا يقترحوا المسائل.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              قيل: القائل: من أبي؟! هو عبد الله بن حذافة السهمي بما ذكره البخاري في الاعتصام، وقيل: أخوه قيس فيما ذكره العسكري.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مقاتل : نزلت في عبد الله بن جحش وعبد الله بن حذافة كما قال - عليه السلام: "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج" فقال عبد الله : في كل عام … الحديث، وفيه: "أيها الناس إن الدنيا قد رفعت لي ورفعت لي أنساب العرب. فأنا أنسبهم رجلا رجلا" (فقام) رجل، فقال: يا رسول الله، أين أنا؟ قال: "في الجنة" ثم قام آخر فقال: يا رسول الله، أين أنا؟

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 311 ] قال: "في الجنة" ثم قام آخر فقال مثل ذلك، فقال: "في النار" فقام ابن حذافة وكان يطعن فيه، فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: " حذافة " ثم قام رجل من بني عبد الدار فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: " سعد " نسبه إلى غير أبيه، فقام عمر فقال: يا رسول الله، استر علينا ستر الله عليك، فإنا قوم قريب عهد بالشرك، فنزلت الآية.


                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري : (حدثنا الفضل بن سهل) وهو الأعرج الثقة مات سنة خمس وخمسين ومائتين ببغداد، (ثنا أبو النضر) هاشم بن القاسم مات ببغداد أيضا سنة سبع ومائتين، (ثنا أبو خيثمة ) وهو زهير بن معاوية الحافظ مات بعد السبعين ومائة، فلج قبل موته بنحو سنة، (ثنا أبو الجويرية) وهو حطان بن خفاف بن زهير الكوفي، تابعي، (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قوم يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استهزاء فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله هذه الآية) حتى فرغ من الآية كلها، وقد أسلفنا هذا أولا، وهذا في البخاري خاصة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية