الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 163 ] المسألة الثانية

          اتفقوا على أن التسمية آية من القرآن في سورة النمل ، وإنما اختلفوا في كونها آية من القرآن في أول كل سورة ، فنقل عن الشافعي في ذلك قولان .

          لكن من الأصحاب من حمل القولين على أنها من القرآن في أول كل سورة كتبت مع القرآن بخط القرآن أم لا [1] .

          ومنهم من حمل القولين على أنها هل هي آية برأسها في أول كل سورة ، أو هي مع أول آية من كل سورة آية وهو الأصح .

          وذهب القاضي أبو بكر وجماعة من الأصوليين إلى أنها ليست آية من القرآن في غير سورة النمل .

          وقضى بتخطئة من قال بأنها آية من القرآن في غير سورة النمل ، لكن من غير تكفير له لعدم ورود النص القاطع بإنكار ذلك .

          والحجة لمذهب الشافعي من ثلاثة أوجه :

          الأول : أنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أول كل سورة .

          ولذلك نقل عن ابن عباس أنه قال : " كان رسول الله لا يعرف ختم سورة ، وابتداء أخرى حتى ينزل عليه جبريل ببسم الله الرحمن الرحيم " ، وذلك يدل على أنها من القرآن حيث أنزلت .

          الثاني : أنها كانت تكتب بخط القرآن في أول كل سورة بأمر رسول الله ، وأنه لم ينكر أحد من الصحابة على من كتبها بخط القرآن في أول كل سورة مع تخشنهم في الدين وتحرزهم في صيانة القرآن عما ليس منه ، حتى إنهم أنكروا على من أثبت أوائل السور والتعشير والنقط .

          وذلك كله يغلب على الظن أنها حيث كتبت مع القرآن بخط القرآن أنها منه .

          الثالث : ما روي عن ابن عباس أنه قال : " سرق الشيطان من الناس آية من القرآن لما أن ترك بعضهم قراءة التسمية في أول السورة " ، ولم ينكر عليه منكر ، فدل على كونها من القرآن في أول كل سورة .

          [ ص: 164 ] فإن قيل : لو كانت التسمية آية من القرآن في أول كل سورة ، لم يخل إما أن يشترط القطع في إثباتها أو لا يشترط .

          فإن كان الأول فما ذكرتموه من الوجوه الدالة غير قطعية بل ظنية ، فلا تصلح للإثبات .

          وأيضا فإنه كان يجب على النبي عليه السلام أن يبين كونها من القرآن حيث كتبت معه بيانا شافيا شائعا قاطعا للشك ، كما فعل في سائر الآيات وإن كان الثاني ، فليثبت التتابع في صوم اليمين بما نقله ابن مسعود في مصحفه .

          قلنا : الاختلاف فيما نحن فيه لم يقع في إثبات كون التسمية من القرآن في الجملة حتى يشترط القطع في طريق إثباتها ، وإنما وقع في وضعها آية في أوائل السور والقطع غير مشترط فيه .

          ولهذا وقع الخلاف في ذلك من غير تكفير من أحد الخصمين للآخر ، كما وقع الخلاف في عدد الآيات ومقاديرها[2] .

          قولهم كان يجب على النبي عليه السلام بيان ذلك بيانا قاطعا للشك .

          قلنا : ولو لم تكن من القرآن لبين ذلك أيضا بيانا قاطعا للشك ، كما فعل ذلك في التعوذ ، بل أولى من حيث إن التسمية مكتوبة بخط القرآن في أول كل سورة ومنزلة على النبي عليه السلام مع أول كل سورة كما سبق بيانه ، وذلك مما يوهم أنها من القرآن مع علم النبي عليه السلام بذلك وقدرته على البيان بخلاف التعوذ .

          فإن قيل : كل ما هو من القرآن فهو منحصر يمكن بيانه ، بخلاف ما ليس من القرآن ، فإنه غير منحصر ، فلا يمكن بيانه أنه ليس من القرآن ، فلهذا قيل بوجوب بيان ما هو من القرآن دون ما ليس من القرآن .

          [ ص: 165 ] قلنا : نحن لم نوجب بيان كل ما ليس من القرآن أنه ليس من القرآن ، بل إنما أوجبنا بيان ما يسبق إلى الأفهام أنه من القرآن بتقدير أن لا يكون منه كما في التسمية .

          ولا يخفى أنه منحصر ، بل هو أقل من بيان ما هو من القرآن .

          وعلى هذا فلا يلزم [3] من وضع [4] كون التسمية آية مع أول كل سورة بالاجتهاد والظن .

          وقد ثبت كونها آية من القرآن في سورة النمل قطعا أن يقال [5] مثله في ثبوت قراءة ابن مسعود في التتابع مع أنها لم يثبت كونها من القرآن قطعا ولا ظنا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية