الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فهذه شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولآحاد أمته من العلماء والصالحين شفاعة أيضا ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر .

وقال صلى الله عليه وسلم : يقال للرجل : قم يا فلان ، فاشفع ، فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ، ولأهل البيت ، وللرجل ، والرجلين ، على قدر عمله .

وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رجلا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار ، فيناديه رجل من أهل النار ويقول : يا فلان ، هل تعرفني ؟ فيقول : لا والله ما أعرفك ، من أنت ؟ فيقول : أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة ماء فسقيتك ، قال : قد عرفت ، قال : فاشفع لي بها عند ربك ، فيسأل الله تعالى ذكره ، ويقول : إني أشرفت على أهل النار ، فناداني رجل من أهلها فقال : هل تعرفني ؟ فقلت : لا ، من أنت ؟ فقال : أنا الذي استسقيتني في الدنيا فسقيتك ، فاشفع لي عند ربك ، فشفعني فيه فيشفعه ، الله فيه ، فيؤمر به فيخرج من النار وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشرهم إذا يئسوا ، لواء الحمد يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ، ولا فخر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أقوم بين يدي ربي عز وجل : فأكسى حلة من حلل الجنة ، ثم أقوم عن يمين العرش ، ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه ، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، فقال بعضهم عجبا : إن الله عز وجل اتخذ من خلقه خليلا ، اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه تكليما ، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه ، وقال آخر : آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم صلى الله عليه وسلم فسلم ، وقال : قد سمعت كلامكم وتعجبكم ، إن إبراهيم خليل الله ، وهو كذلك ، وموسى نجي الله ، وهو كذلك ، وعيسى روح الله وكلمته ، وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله تعالى ، وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ، ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ، ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع ، يوم القيامة ، ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة ، فيفتح الله لي فأدخلها ، ومعي فقراء المؤمنين ، ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ، ولا فخر .

التالي السابق


(فهذه شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولآحاد أمته من العلماء والصالحين شفاعة أيضا، حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر) .

قال العراقي : رويناه في جزء ابن عمر، وبن السماك من حديث أبي أمامة، إلا أنه قال: مثل أحد الحيين، ربيعة ومضر، وفيه: فكان المشيخة يرون أن ذلك الرجل هو عثمان بن عفان . وإسناده حسن .

وللترمذي، وابن ماجه، والحاكم، من حديث عبد الله بن أبي الجدعاء : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من تميم، قالوا: سواك يا رسول الله؟ قال: سواي . قال الترمذي : حسن صحيح، وقال الحاكم : صحيح، قيل: أراد بالرجل أويسا، انتهى .

قلت: سياق المصنف رواه ابن أبي شيبة، والحاكم، والبيهقي، وابن عساكر، عن الحسن، مرسلا، قال الحسن : هو أويس القرني .

وأما حديث أبي أمامة، فرواه شبابة بن سوار، وغيره، حدثنا حريز بن عثمان، عن عبد الله بن ميسرة، وحبيب بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة، قال الذهبي : حديث صالح السند غريب .

قال: ويروى بإسناد لا يصح، عن ابن عباس مرفوعا: ليدخلن بشفاعة عثمان الجنة سبعون ألفا .

قلت: ورواه الطبراني في الكبير .

وأما حديث عبد الله بن أبي الجدعاء، فرواه الثوري، ويزيد بن زريع، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: جلست إلى نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، منهم ابن أبي الجدعاء، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ليدخلن الجنة... فساقه، وزاد يزيد عن الحذاء في حديثه قال: أظن الرجل عثمان، ولم يسم يزيد في حديثه ابن أبي الجدعاء، بل قال: رجل، قاله الذهبي .

قلت: رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح غريب، ورواه البيهقي في الدلائل قال: وليس لابن أبي الجدعاء غيره، ورواه ابن عساكر من حديث ابن عباس، ورواه أبو نعيم، وابن عساكر أيضا، من حديث واثلة بن الأسقع، وقد تقدم، ورواه هناد من حديث الحرب بن أقيس، وليس له غيره: إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر . ورواه أحمد، وأبو يعلى، بلفظ: لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: يقال [ ص: 496 ] للرجل: قم يا فلان، فاشفع، فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة، ولأهل البيت، وللرجل، والرجلين، على قدر عمله ) .

قال العراقي : رواه الترمذي من حديث أبي سعيد : إن من أمتي من يشفع للفئام، ومنهم من يشفع للقبيلة... الحديث، وقال: حسن، وللبزار من حديث أنس : إن الرجل ليشفع للرجلين، والثلاثة، والقبيلة، اهـ .

قلت: حديث أبي سعيد رواه أيضا أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وتمامه: ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل، حتى يدخلوا الجنة . وأما حديث أنس فرواه أيضا ابن خزيمة، بلفظ: يشفع للرجلين والثلاثة، والرجل للرجل .

وروى الطبراني من حديث أبي أمامة : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من عدد من مضر، ويشفع الرجل في أهل بيته، ويشفع على قدر عمله .

ومما يدل على إثبات الشفاعة لغير الأنبياء : ما رواه ابن ماجه من حديث عثمان : يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء .

وروى أبو داود، والطبراني، والبيهقي، من حديث أبي الدرداء : يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته يوم القيامة .

(وقال أنس) -رضي الله عنه-: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن رجلا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار، فيناديه رجل من أهل النار ويقول: يا فلان، هل تعرفني؟ فيقول: لا والله ما أعرفك، من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة ماء فسقيتك، قال: قد عرفت، قال: فاشفع لي بها عند ربك، فيسأل الله تعالى ذكره، ويقول: إني أشرفت على أهل النار، فناداني رجل من أهلها فقال: هل تعرفني؟ فقلت: لا، من أنت؟ فقال: أنا الذي استسقيتني في الدنيا فسقيتك، فاشفع لي عند ربك، فشفعني فيه، فشفعه الله فيه، فيؤمر به فيخرج من النار ) .

قال العراقي : رواه أبو يعلى بسند ضعيف، وله عنده إسنادان، أحدهما حسن بألفاظ أخر، انتهى .

قلت: لفظ أبي يعلى : إن الرجل من أهل الجنة يشرف على أهل النار، وفيه: فيقول: لا والله ما أعرفك، من أنت؟ ويحك، وفيه: فيدخل ذلك الرجل على الله في زوره فيقول: يا رب إني أشرفت ، والباقي سواء .

(وعن أنس ) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي، ولا فخر) ، قال العراقي : رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، اهـ .

قلت: ورواه الدارمي كذلك، وفي رواية للترمذي بعد قوله: إذا بعثوا: وأنا قائدهم إذا وفدوا، وخطيبهم إذا أنصتوا، وشفيعهم إذا حبسوا، وفي آخره زيادة: يطوف علي ألف خادم، كأنهم بيض مكنون، أو لؤلؤ منثور.

وروى ابن النجار، من حديث أم كرز بلفظ: أنا سيد المرسلين إذا بعثوا، وسابقهم إذا وردوا، ومبشرهم إذا أبلسوا، وإمامهم إذا سجدوا، وأقربهم مجلسا إذا اجتمعوا، أتكلم فيصدقني، وأشفع فيشفعني، وأسأل فيعطيني ، (فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فأكسى حلة من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش، ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري ) .

قال العراقي : رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال: حسن غريب صحيح، انتهى .

قلت: وأول الحديث عنده: أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى، إلخ. (وقال ابن عباس ) -رضي الله عنهما-: ( جلس ناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرونه، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع حديثهم، فقال بعضهم عجبا: إن الله -عز وجل- اتخذ من خلقه خليلا، اتخذ إبراهيم خليلا، وقال الآخر: ماذا بأعجب من كلام موسى، كلمه تكليما، وقال الآخر: فعيسى كلمة الله وروحه، وقال آخر: آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم فسلم، وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وموسى نجي الله، وهو كذلك، وعيسى روح الله وكلمته، وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله، وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله، ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول شافع، وأول مشفع، يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة، فيفتح الله لي فأدخلها، ومعي فقراء [ ص: 497 ] المؤمنين، ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين، ولا فخر ) .

قال العراقي : رواه الترمذي، وقال: غريب، اهـ .

قلت: لا، إنه قال: فيدخلنيها بدل فأدخلها، والباقي سواء. ورواه الديلمي مقتصرا على قوله: أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة، فيفتحها الله لي، فيدخلنيه الله، ومعي فقراء المؤمنين، وأنا سيد الأولين والآخرين من النبيين، ولا فخر، وروى ابن النجار من حديث أنس : أنا أول من يدق باب الجنة، فلم تسمع الآذان أحسن من طنين الحلق على تلك المصاريع . وروى أحمد، وأبو يعلى، والدارمي، والترمذي، من حديثه أيضا: أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها . وعند مسلم عنه: أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة .




الخدمات العلمية