الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2142 2 - ( حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن قرة بن خالد قال : حدثني حميد بن هلال قال : حدثنا أبو بردة عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : أقبلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي رجلان من الأشعريين ، فقلت : ما علمت أنهما يطلبان العمل ، فقال : لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته لقوله : ومن لم يستعمل من أراده ظاهرة ، وأما وجه دخوله في هذا الباب فلأن الذي يطلب العمل إنما يطلبه غالبا لتحصيل الأجرة التي شرعت له ، وهذا كان في ذلك الزمان ، وأما الذي يطلب العمل في زماننا هذا فلا يطلبه إلا لتحصيل الأموال سواء كان من الحلال أو الحرام ، وللأمر والنهي بغير طريق شرعي ، بل غالب من يطلب العمل إنما يطلبه بالبراطيل والرشوة ، ولا سيما في مصر ، فإن الأمر فاسد جدا في العمال فيها ، حتى أن أكثر القضاة يتولون بالرشوة ، وهذا غير خاف على أحد فنسأل الله العفو والعافية .

                                                                                                                                                                                  ويحيى هو ابن سعيد القطان ، وقرة بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد أبو محمد وأبو خالد السدوسي البصري ، وحميد بضم الحاء المهملة ابن هلال بن هبيرة العدوي الهلالي البصري مر في باب يرد المصلي من بين يديه ، وأبو بردة عامر وقد مضى الآن .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري مختصرا ومطولا في الإجارة والأحكام ، وفي استتابة المرتدين ، عن مسدد عن يحيى ، وفي الأحكام أيضا عن عبد الله بن الصباح ، وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي قدامة ومحمد بن حاتم ، وأخرجه أبو داود في الحدود عن أحمد بن حنبل ومسدد بتمامه ، وفي القضايا عن أحمد بن حنبل [ ص: 79 ] ببعضه ، وأخرجه النسائي في الطهارة وفي القضاء عن عمرو بن علي خمستهم عن يحيى بن سعيد به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " ومعي " الواو فيه للحال ، قوله : " من الأشعريين " أي من الجماعة الأشعريين ، والأشعري نسبة إلى الأشعر ، وهو نبت بن أدد بن يشجب بن عريب بن يزيد بن كهلان ، وإنما قيل له الأشعري لأن أمه ولدته وهو أشعر ، قوله : " فقلت " القائل هو أبو موسى الأشعري ، أي فقلت : يا رسول الله ما علمت أنهما - أي أن الرجلين - يطلبان العمل ، وسيجيء في استتابة المرتدين بهذا الإسناد بعينه ، وفيه معي رجلان من الأشعريين ، وكلاهما سألا : أي العمل ؟ فقلت : والذي بعثك ما اطلعت على ما في أنفسهما ، ولا علمت أنهما يطلبان العمل ، الحديث ، قوله : " فقال لن أو لا " أي فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " لن نستعمل على عملنا من أراده " ، وقوله أو لشك الراوي ، أي لا نولي من أراد العمل ، وذكر ابن التين أنه ضبط في بعض النسخ : لن أولي بضم الهمزة وفتح الواو وكسر اللام المشددة ، مضارع فعل من التولية ، وقال الشيخ قطب الدين الحلبي : فعلى هذه الرواية يكون لفظ نستعمل زائدا ، ويكون تقدير الكلام : لن أولي على عملنا ، وقد وقع هذا الحديث في الأحكام من طريق بريد بن عبد الله عن أبي بردة بلفظ إنا لا نولي على عملنا وهذا يؤيد ما ذكره الشيخ قطب الدين - رحمه الله - وقال ابن بطال : لما كان طلب العمالة دلالة على الحرص وجب أن يحترز من الحريص عليها ، وقال القرطبي : هذا نهي ، وظاهره التحريم ، كما قال - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " لا تسأل الإمارة ، وإنا والله لا نولي على عملنا هذا أحدا يسأله ويحرص عليه " فلما أعرض عنهما ولم يولهما لحرصهما ولى أبا موسى الذي لا يحرص عليها ، والسائل الحريص يوكل إليها ولا يعان عليها " .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية