الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2320 25 - حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : حدثني طلحة بن عبد الله أن [ ص: 298 ] عبد الرحمن بن عمرو بن سهل قال : أخبره أن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة; لأن قوله : شيئا في الترجمة يتناول قدر شبر وما فوقه وما دونه ، وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي ، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ، والزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، وطلحة بن عبد الله بن عوف بن أخي عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري المدني ، وقد ينسب إلى جده ، وقد نسبه المزي الأنصاري أيضا ، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث فقط ، وفي هذا السند ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم : الزهري ، وطلحة ، وعبد الرحمن رضي الله تعالى عنهم ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي أحد العشرة المبشرة بالجنة ، أسلم قديما ، وكان مجاب الدعوة ، وقد أسقط بعض أصحاب الزهري في روايتهم عنه هذا الحديث عبد الرحمن بن عمرو بن سهل ، وجعلوه من رواية طلحة عن سعيد بن زيد نفسه ، وفي مسندي أحمد وأبي يعلى وصحيح ابن خزيمة من طريق ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن طلحة بن عبد الله قال : أتتني أروى بنت أويس في نفر من قريش فيهم عبد الرحمن بن سهل فقالت : إن سعيدا انتقص من أرضي إلى أرضه ما ليس له ، وقد أحببت أن تأتوه فتكلموه قال : فركبنا إليه ، وهو بأرضه بالعقيق فذكر الحديث ، وقال الكرماني : روي أن مروان أرسل إلى سعيد ناسا يكلمونه في شأن أروى بنت أويس ، وكانت شكته إلى مروان في أرض فقال سعيد : تروني ظلمتها ، وقد سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول الحديث ، فترك سعيد لها ما ادعت ، وقال : اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى تعمي بصرها ، وتجعل قبرها في بئر ، قالوا : فوالله ما ماتت حتى ذهب بصرها ، فجعلت تمشي في دارها فوقعت في بئرها ، قوله : " طوقه " على بناء المجهول ، قال الخطابي : له وجهان; أحدهما أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ، فيكون كالطوق في عنقه ، والآخر : أن يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين كما في الحديث الآخر الذي بعده ، وقال النووي : وأما التطويق فقالوا : يحتمل أن معناه أن يحمل منه من سبع أرضين ، ويكلف إطاقته ذلك ، أو يجعل له كالطوق في عنقه ، ويطول الله عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر ، وعظم ضرسه ، أو يطوق إثم ذلك ويلزم كلزوم الطوق بعنقه ، وقال ابن الجوزي : هو من تطويق التكليف لا من التقليد قال : وليس ذلك بممتنع ، فإنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا ألفين أحدكم تأتي على رقبته بعير أو شاة " وأما الخسف : أن يخسف به الأرض بعد موته ، أو في حشره ، وفي تهذيب الطبري بيان لهذا التطويق قال : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حسن بن علي ، حدثنا زائدة ، عن الربيع ، عن أيمن ، حدثني يعلى بن مرة ، سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ سبع أرضين ، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس ، وفي رواية الشعبي ، عن أيمن عنه : من سرق شبرا من أرض أو غلة جاء يحتمله يوم القيامة على عنقه إلى سبع أرضين ، وفي رواية : كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر ، وفي التوضيح : والصواب أيمن عن يعلى ، ووهم ابن منده وأبو نعيم في ظنهما أن لأيمن صحبة ، (قلت) : وكذا قال الذهبي في تجريد الصحابة : إنهما وهما في ذلك .

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه) فيه دليل أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهاها ، وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا ، سواء أضر ذلك بأرضه أو لا ، قاله الخطابي ، وقال ابن الجوزي : لأن حكم أسفلها تبع لأعلاها ، وقال القرطبي : وقد اختلف فيما إذا حفر أرضه فوجد فيها معدنا أو شبهه ، فقيل : هو له ، وقيل : بل للمسلمين ، وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بجاره ، وكذلك له أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ، ما لم يضر بأحد ، واستدل الداودي على أن السبع الأرضين بعضها على بعض ، لم يفتق بعضها من بعض ، قال : لأنه لو فتقت لم يطوق منها ما ينتفع به غيره ، وقيل : بين كل أرض وأرض خمس مائة عام ، مثل ما بين كل سماء وسماء ، وفيه تهديد عظيم للغصاب ، وفيه دليل على أن الأرضين سبع كما قال تعالى : ومن الأرض مثلهن وقال الكرماني : وفيه غصب الأرض خلافا للحنفية قلت : رمى الكرماني كلامه جزافا من غير وقوف على كيفية مذهب الحنفية ، فإن مذهبهم فيه خلاف ، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف : الغصب لا يتحقق إلا فيما ينقل ويحول; لأن إزالة اليد بالنقل ، ولا نقل في العقار ، فإذا غصب عقارا فهلك في يده لا يضمن ، وقال محمد : يضمن ، وهو قول أبي [ ص: 299 ] يوسف الأول ، وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد ; لأن الغصب عندهم يتحقق في العقار ، والخلاف في الغصب لا في الإتلاف ، وبعض مشايخنا قالوا : يتحقق الغصب في العقار أيضا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لكن لا على وجه يوجب الضمان ، والأكثرون على أنه لا يتحقق في العقار أصلا ، والاستدلال بحديث الباب على ما ذهبوا إليه غير مستقيم; لأنه صلى الله عليه وسلم جعل جزاء غصب الأرض التطوق يوم القيامة ، ولو كان الضمان واجبا لبينه; لأن الضمان من أحكام الدنيا ، فالحاجة إليه أمس ، والمذكور جميع جزائه ، فمن زاد عليه كان نسخا ، وذا لا يجوز بالقياس ، وإطلاق لفظ الغصب عليه لا يدل على تحقق الغصب الموجب للضمان كما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أطلق لفظ البيع على الحر بقوله : " من باع حرا " ولا يدل ذلك على البيع الموجب للحكم على أنه جاء في الصحيحين بلفظ أخذ ، فقال : من أخذ شبرا من الأرض ظلما ، فإنه يطوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين ، فعلم أن المراد من الغصب الأخذ ظلما لا غصبا موجبا للضمان . فإن قلت : قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " على اليد ما أخذت حتى ترد " يدل على ذلك بإطلاقه ، والتقييد بالمنقول خلافه ، قلت : هذا مجاز; لأن الأخذ حقيقة لا يتصور في العقار; لأن حد الأخذ أن يصير المأخوذ تبعا ليده فافهم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية