الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2151 11 - ( حدثنا محمد بن العلاء قال : حدثنا أبو أسامة عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مثل المسلمين واليهود والنصارى ، كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم ، فعملوا له إلى نصف النهار ، فقالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملنا باطل ، فقال لهم : لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا ، فأبوا وتركوا واستأجر أجيرين بعدهم ، فقال لهما : أكملا بقية يومكما هذا ولكما الذي شرطت لهم من الأجر ، فعملا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالا : لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه ، فقال لهما : أكملا بقية عملكما فإن ما بقي من النهار شيء يسير ، فأبيا ، واستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم ، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، واستكملوا أجر الفريقين كليهما ، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " واستأجر قوما أن يعملوا " إلى قوله : " الشمس " .

                                                                                                                                                                                  وقد مضى هذا الحديث في كتاب الصلاة في باب من أدرك ركعة من العصر ، فإنه أخرجه هناك عن كريب ، عن أبي أسامة ، عن بريد إلى آخره بأخصر منه ، وهنا أخرجه عن محمد بن العلاء بن كريب ، أي كريب الهمداني الكوفي ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، عن بريد بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف ، عن أبي بردة ، واسمه عامر عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، قوله : " كمثل رجل استأجر قوما " هو من باب القلب ، والتقدير : كمثل قوم استأجرهم قوم ، أو هو من باب التشبيه بالمركب ، قوله : " إلى الليل " هذا [ ص: 90 ] مغاير لحديث ابن عمر ; لأن فيه أنه استأجرهم على أن يعملوا إلى نصف النهار وأجيب بأن ذلك بالنسبة إلى من عجز عن الإيمان بالموت قبل ظهور دين آخر ، وهذا بالنسبة إلى من أدرك دين الإسلام ولم يؤمن به ، وقد تقدم تمام البحث في ذاك الباب ، قوله : " لا حاجة لنا إلى أجرك " إشارة إلى أنهم كفروا وتولوا واستغنى الله عنهم ، وهذا من باب إطلاق القول وإرادة لازمه ; لأن لازمه ترك العمل المعبر به عن ترك الإيمان ، قوله : " وما عملنا باطل " إشارة إلى إحباط عملهم بكفرهم بعيسى - عليه الصلاة والسلام - ، إذ لا ينفعهم الإيمان بموسى - عليه الصلاة والسلام - وحده بعد بعثة عيسى - عليه الصلاة والسلام - وكذلك القول في النصارى ، إلا أن فيه إشارة إلى أن مدتهم كانت قدر نصف المدة ، فاقتصروا على نحو الربع من جميع النهار ، قوله : " لا تفعلوا " أي إبطال العمل وترك الأجر المشروط ( فإن قلت ) المفهوم منه أن أهل الكتابين لم يأخذوا شيئا ، ومن السابق أنهم أخذوا قيراطا قيراطا ( قلت ) الآخذون هم الذين ماتوا قبل النسخ ، والتاركون الذين كفروا بالنبي الذي بعد نبيهم ، قوله : " فإنما بقي من النهار شيء يسير ، أي بالنسبة لما مضى منه ، والمراد ما بقي من الدنيا حتى إذا كان حين صلاة العصر هو بنصب حين ، ويجوز الرفع ، قاله بعضهم ، ولم يبين وجهه ولا وجه النصب ( قلت ) أما النصب فعلى الظرفية ، وأما الرفع فعلى أنه اسم كان .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أجر الفريقين كليهما " كذا وقع في رواية أبي ذر وغيره ، وحكى ابن التين أن في روايته كلاهما بالرفع ثم خطأه ( قلت ) ليس لما قاله وجه لأن كلاهما بالألف على لغة من يجعل المثنى في الأحوال الثلاثة بالألف ، قوله : " فذلك مثلهم " أي مثل المسلمين ومثل ما قبلوا من هذا النور أي نور الهداية إلى الحق ، وفي رواية الإسماعيلي : فذلك مثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله ، ومثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله به ، والمقصود من التمثيلين : من الأول بيان أن أعمال هذه الأمة أكثر ثوابا من أعمال سائر الأمم ، ومن الثاني أن الذين لم يؤمنوا بمحمد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أعمالهم السالفة على دينهم لا ثواب لها ، قيل : استدل به على أن بقاء هذه الأمة تزيد على الألف ; لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين ، وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كانت أكثر من ألفي سنة ، ومدة النصارى من ذلك ستمائة سنة ، وقيل : أقل ، فيكون مدة المسلمين أكثر من ألف قطعا ( قلت ) فيه نظر ; لأنه صح عن ابن عباس من طرق صحاح أنه قال : الدنيا سبعة أيام ، كل يوم ألف سنة ، وبعث رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - في اليوم الآخر منها ، وقد مضت منه سنون أو مئون ، ويؤيد هذا أيضا حديث زمل الخزاعي حين قص على رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - رؤياه وقال فيها : رأيتك على منبر له سبع درجات ، الحديث ، وفيه : في المنبر ودرجاته الدنيا سبعة آلاف سنة ، بعثت في آخرها ألفا ، وقد صحح أبو جعفر الطبري هذا الأصل بآثار .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية