الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2229 6 - حدثنا عبدان ، عن أبي حمزة ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان ، فأنزل الله تعالى : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية فجاء الأشعث فقال : ما حدثكم أبو عبد الرحمن في ؟ أنزلت هذه الآية ، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي ، فقال لي : شهودك ، قلت : ما لي شهود ، قال : فيمينه ، قلت : يا رسول الله ، إذا يحلف . فذكر النبي صلى الله عليه وسلم ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في البئر المذكورة بطلب البينة من المدعي وبيمين المدعى عليه عند عجز المدعي عن إقامة البينة ، وعبدان لقب عبد الله المروزي وقد مر غير مرة ، وأبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي محمد بن ميمون السكري ، وقد مر في باب نفض اليدين في الغسل ، والأعمش هو سليمان ، وشقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي الكوفي ، وعبد الله هو ابن مسعود ، والأشعث بن قيس أبو محمد الكندي وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة في وفد كندة ، وكانوا ستين راكبا فأسلموا ، وكان ممن ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم وله قصة طويلة .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه [ ص: 196 ] البخاري في الأشخاص ، وفي الشهادات عن محمد بن سلام ، وفي الأشخاص أيضا عن بشر بن خالد ، وفي النذور عن موسى ، وفي التفسير عن حجاج بن المنهال ، وفي الشركة عن قتيبة ، وفي النذور أيضا عن بندار ، وفي الأحكام عن إسحاق بن نصر ، وأخرجه مسلم في الأيمان عن أبي بكر وإسحاق وابن نمير ، ثلاثتهم عن وكيع وعن ابن نمير عن أبيه ، وعن إسحاق عن جرير به ، وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور عن محمد بن عيسى ، وأخرجه الترمذي في البيوع وفي التفسير عن هناد ، وأخرجه النسائي في القضاء عن هناد ، وفي التفسير عن الهيثم بن أيوب وعن محمد بن قدامة ولم يذكر حديث عبد الله ، وأخرجه ابن ماجه في الأحكام عن محمد بن عبد الله وعلي بن محمد وفي بعض الألفاظ اختلاف .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله " يقتطع بها " أي باليمين أي بسببها ، ومعنى يقتطع يأخذ قطعة بسبب اليمين من مال امرئ ، قوله هو عليها فاجر أي كاذب ، وهي جملة اسمية وقعت حالا بلا واو كما في قولك كلمته فوه إلى في ، قوله " لقي الله تعالى " يعني يوم القيامة ، قوله " وهو عليه غضبان " جملة اسمية وقعت حالا على الأصل ، قال ابن العربي : يعني بالغضب إرادة عقوبة أو عقوبة نفسها إذ يعبر بالغضب عن الوجهين جميعا ، وإذا لقيه وهو يريد عقابه أو قد عاقبه جاز بعد ذلك أن لا يريد عقابه وأن يدفع عنه تماديه إن كان أنزله به بشرط أن لا يكون متعلق إرادته عذاب واصب ، وقال شيخنا : الظاهر أن المراد بغضب الله معاملته بمعاملة المغضوب عليه من كونه لا ينظر إليه ولا يكلمه كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ، فذكر منهم : ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم " الحديث . وأما كون المراد بالغضب إرادة العقوبة أو العقوبة نفسها فإنه يرده ما رواه الحاكم في المستدرك من حديث الأشعث بن قيس مرفوعا : " من حلف على يمين صبرا ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله تعالى يوم القيامة وهو مجتمع عليه غضبا عفا الله عنه أو عاقبه " ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، فهذا يدل على أنه لم يرد بالغضب إرادة العقوبة أو العقوبة لأنه لو أراد عقوبته لوقعت العقوبة على وفق الإرادة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر اختلاف الألفاظ فيه ) ففي حديث ابن مسعود والأشعث بن قيس ومعقل بن يسار : لقي الله وهو عليه غضبان ، وفي بعض طرق حديث الأشعث : لقي الله وهو أجذم ، وفي رواية عمران بن حصين والحارث بن برصاء وجابر بن عبد الله : فليتبوأ مقعده من النار ، وفي حديث أبي أمامة وجابر بن عتيك : أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ، وفي حديث أبي سودة : إن ذلك يعقم الرحم ، وفي حديث سعيد بن زيد : إنه لا يبارك له فيها ، وفي حديث ثعلبة بن صد مغيرة : نكتة سوداء في قلبه ، وكذلك في حديث عبد الله بن أنيس ، فإن قلت : ما التوفيق بين هذه الروايات ؟ قلت : لا منافاة بين شيء من ذلك فقد يجتمع له جميع ذلك كله نعوذ بالله منه ، وإنما يشكل منه رواية : حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار ، فيحمل ذلك على المستحل لذلك أو على تقدير أن ذلك جزاؤه إن جازاه كما في قوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر بيان من خرج هذه الأحاديث ) أما حديث ابن مسعود فقد مضى الآن ، وأما حديث الأشعث بن قيس ففي حديث ابن مسعود وأخرجه بقية الأئمة ، وأما حديث معقل بن يسار فأخرجه النسائي من رواية شعبة عن عياض عن أبي خالد ، قال : رأيت رجلين يختصمان عند معقل بن يسار ، فقال معقل : قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " من حلف على يمين ليقتطع بها مال رجل لقي الله وهو عليه غضبان " . وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا الإسناد ، وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أبو داود من رواية محمد بن سيرين عن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار " . وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ ، وأما حديث الحارث بن برصاء فأخرجه الحاكم من رواية عبيد بن جريج عن الحارث بن برصاء ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من اقتطع مال أخيه المسلم بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار ، ليبلغ شاهدكم غائبكم مرتين أو ثلاثا " . وقال : هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا السياق ، وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية عبد الله بن نسطاس عن جابر [ ص: 197 ] ابن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على منبري هذا على يمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار " . الحديث ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأما حديث أبي أمامة بن ثعلبة واسمه إياس ، وقيل : ثعلبة ، والأصح أنه إياس فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ، فقال له رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك " . وأما حديث جابر بن عتيك فأخرجه الحاكم من رواية أبي سفيان بن جابر بن عتيك عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول : " من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأدخله النار ، قالوا : يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال : وإن كان سواكا وإن كان سواكا " . وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأما حديث أبي سودة فأخرجه أحمد من رواية معمر عن شيخ من بني تميم عن أبي سودة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اليمين الفاجرة التي يقتطع بها الرجل مال المسلم يعقم الرحم ، وأما حديث سعيد بن زيد فأخرجه أحمد أيضا من رواية الحارث بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة أن مروان قال : اذهبوا فأصلحوا بين هذين لسعيد بن زيد ، وروى الحديث وفيه : من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين فلا بارك الله له فيها ، وأخرجه الحاكم وصححه وأما حديث ثعلبة بن مغيرة فأخرجه الحاكم في المستدرك من رواية عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنه سمع ثعلبة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة كانت نكتة سوداء في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة . وصححه ، وأما حديث عبد الله بن أنيس فأخرجه الترمذي في التفسير من رواية محمد بن زيد المهاجر عن أبي أمامة الأنصاري عن عبد الله بن أنيس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أكبر الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إلا جعلها الله نكتة في قلبه يوم القيامة . وأخرجه الحاكم وصححه .

                                                                                                                                                                                  قلت : وفي الباب عن أبي ذر وعبد الله بن أبي أوفى وأبي قتادة وعبد الرحمن بن شبل ، ومعاوية بن أبي سفيان ووائل بن حجر ، وأبي أمامة الباهلي اسمه صدي بن عجلان ، وأبو موسى وعدي بن عميرة .

                                                                                                                                                                                  أما حديث أبي ذر فأخرجه مسلم والترمذي من رواية خرشة بن قتيبة الحر عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، قلت : من هم يا رسول الله فقد خابوا وخسروا ؟ فقال : المنان ، والمسبل إزاره ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب . وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فرواه البخاري في أفراده على ما يأتي ، وأما حديث أبي قتادة فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من رواية معبد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق ، وأما حديث عبد الرحمن بن شبل فرواه أحمد في مسنده والبيهقي في سننه من رواية يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي راشد عن عبد الرحمن بن شبل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : إن التجار هم الفجار ، فقال رجل : يا رسول الله ألم يحل الله البيع ؟ قال : بلى ولكنهم يحلفون ويأثمون . وزاد أحمد : ويقولون فيكذبون ، وأما حديث معاوية فأخرجه الطبراني من رواية يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل أن معاوية قال : إذا أتيت فسطاطي فقم في الناس فأخبرهم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : إن التجار . . إلى آخر ما ذكرناه الآن ، هكذا أسنده الطبراني في مسند معاوية وكأن الرواية عنده فيه ما سمعت بالضم ، وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية علقمة بن وائل " عن أبيه قال : جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض لي . . الحديث ، وفيه : فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما أدبر : أما لئن حلف على مال ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض . وأما حديث أبي أمامة الباهلي فأخرجه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من رواية خصيب الجزري عن أبي غالب عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن التاجر إذا كان فيه أربع خصال طاب كسبه : إذا اشترى لم يذم ، وإذا [ ص: 198 ] باع لم يمدح ، ولم يدلس في البيع ، ولم يحلف فيما بين ذلك " . وأما حديث أبي موسى فأخرجه البزار من حديث ثابت بن الحجاج ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في أرض أحدهما من حضرموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدعى عليه : أتحلف بالله الذي لا إله إلا هو ؟ فقال المدعي : يا رسول الله ليس لي إلا يمينه ؟ قال : نعم ، قال : إذا يذهب بأرضي ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن حلف كاذبا لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكه وله عذاب أليم " . قال : فتورع الرجل عنها فردها عليه ، وأما حديث عدي بن عميرة فأخرجه النسائي عنه ، قال : أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رجلان يختصمان في أرض ، وفيه : فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " من حلف على مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ، قال : فمن تركها ؟ قال : له الجنة " . وفي رواية : بين امرئ القيس ورجل من حضرموت ، وفيه : " فقال امرؤ القيس : يا رسول الله ، فما لمن تركها وهو يعلم أنها حق ؟ قال : له الجنة " .

                                                                                                                                                                                  قوله " ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ " أي أي شيء حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ وهو كنية عبد الله بن مسعود .

                                                                                                                                                                                  قوله " في " بكسر الفاء وتشديد الياء ، قوله " فأنزل الله إن الذين يشترون " الآية ، هذه الآية الكريمة في سورة آل عمران : إن الذين يشترون يعني إن الذين يعتاضون عما هداهم الله عليه من اتباع محمد وذكر صفته للناس وبيان أمره عن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة ، وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة : أولئك لا خلاق لهم أي لا نصيب لهم في الآخرة ولا حظ لهم منها ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة بعين رحمته ولا يزكيهم أي ولا يطهرهم من الذنوب والأدناس ، بل يأمر بهم إلى النار ولهم عذاب أليم ثم سبب نزول هذه الآية في الأشعث بن قيس كما ذكره في حديث الباب وذكر البخاري لسبب نزولها وجها آخر عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزل : إن الذين يشترون الآية ، وذكر الواحدي أن الكلبي قال : إن ناسا من علماء اليهود أولي فاقة اقتحموا إلى كعب بن الأشرف لعنه الله ، فسألهم : كيف تعلمون هذا الرجل يعني سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابكم ؟ قالوا : وما تعلمه أنت ؟ قال : لا ، قالوا : نشهد أنه عبد الله ورسوله ، فقال كعب : لقد حرمكم الله خيرا كثيرا ، فقالوا : رويدا ، فإنه شبه علينا وليس هو بالنعت الذي نعت لنا ، ففرح كعب لعنه الله فمارهم وأنفق عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال عكرمة : نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رؤوس اليهود كتموا ما عهد الله عز وجل إليهم في التوراة في شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره ، وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشاء والمأكل التي كانت لهم على أتباعهم ، قوله : كانت لي بئر في أرض ، زعم الإسماعيلي أن أبا حمزة تفرد بذكر البئر عن الأعمش ، قال : ولا أعلم فيمن رواه عن الأعمش إلا قال : في أرض .

                                                                                                                                                                                  والأكثرون أولى بالحفظ من أبي حمزة ، ورد عليه بأن أبا حمزة لم ينفرد به لأن أبا عوانة رواه عن الأعمش في كتاب الأيمان والتفسير عن أبي وائل عن عبد الله ، وفيه قال الأشعث : كانت لي بئر في أرض ابن عم لي وسيجيء إن شاء الله تعالى ، وكذا رواه أبو نعيم الحافظ من حديث علي بن مسهر عن الأعمش ، وقال الطرقي : رواه عن أبي وائل منصور والأعمش ، فمنصور لم يرفع قول عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأعمش يقول : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا ذكره الحافظ المزي في الأطراف ، وقال الطرقي : رواه عبد الملك بن أيمن ، وجامع ابن أبي راشد ، ومسلم البطين عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا ، وليس فيه ذكر الأشعث ، ورواه كردوس التغلبي عن الأشعث بن قيس الكندي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه ذكر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، قال المزي : ومن مسند الأشعث بن قيس أبي محمد الكندي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مقرونا بعبد الله بن مسعود ، وربما جاء الحديث عن أحدهما مفردا ، قوله ابن عم لي واسمه معدان بن الأسود بن سعد بن معدي كرب الكندي ، والأشعث بن قيس بن معدي كرب ، وقيس والأسود أخوان ولقبه الجفشيش على وزن فعليل بفتح الجيم وسكون الفاء وبالشينين المعجمتين أولاهما مكسورة بينهما ياء آخر الحروف ساكنة ، وقيل : بفتح الحاء المهملة ، وقيل : بالخاء المعجمة وبقية الحروف على حالها ، وقال الكرماني : وقيل : اسمه جرير وكنيته أبو الخير ، قلت : الأصح هو الذي ذكرناه ، قوله : فقال لي : " شهودك " ، أي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهودك بالنصب [ ص: 199 ] على تقدير أقم أو أحضر شهودك ، وكذا يمينه بالنصب أي فاطلب يمينه ويروى بالرفع فيهما ، والتقدير : فالمثبت لدعواك شهودك أو فالحجة القاطعة بينكما يمينه ، فيكون ارتفاعهما على أنهما خبرا مبتدأين محذوفين ، قوله " إذا يحلف " قال الكرماني : ويحلف بالنصب لا غير ، قلت : كلمة إذا حرف جواب وجزاء ينصب الفعل المستقبل مثل ما يقال : أنا آتيك ، فيقول : إذا أكرمك ، وإنما قال بالنصب لا غير لأنها تصدرت فيتعين النصب بخلاف ما إذا وقعت بعد الواو والفاء ، فإنه يجوز فيه الوجهان .

                                                                                                                                                                                  ( ومما يستفاد من الحديث ) أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إذا أنكر ، وبه استدل من يقول : إنه إذا اعترف المدعي أنه لا بينة له لم يقبل دعواه بعد ذلك ، ورد بأنه ليس فيه حجة على ذلك لأن الأشعث لم يدع بعد ذلك أن له بينة ، وفيه أن للحاكم أن يطلب المدعي عليه عند عدم البينة وإن لم يطلبه صاحب الحق لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالحلف ، وفيه إبطال مسألة الظفر لأنه صلى الله عليه وسلم ردده بين البينة واليمين فدل على عدم الأخذ بغير ذلك ، وأصرح من هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث وائل بن حجر عند مسلم وقد ذكرناه : ليس لك منه إلا ذلك .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية