الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                104 - وأما الهبة ، فلا تتوقف على النية .

                قالوا لو وهب ممازحا صحت ، كما في البزازية ، ولكن لو لقن الهبة ولم يعرفها لم تصح ، لا لأجل أن النية شرطها ، [ ص: 81 ] وإنما هو لفقد شرطها وهو الرضى .

                وكذا لو أكره عليها لم تصح ،

                التالي السابق


                ( 104 ) قوله : وأما الهبة فلا تتوقف على النية .

                قالوا لو وهب مازحا لصحت .

                كما في البزازية .

                قيل ليس ما في البزازية يفهم منه ما ذكر ، لأن المذكور فيها وفي الولوالجية : لو قال هب لي على وجه المزاح ، فوهب .

                وقيل : وسلم جاز إذ المزاح إنما وقع في طلب الهبة ثم وقعت هي بلا مزاح ظاهر ، أو مستجمعة لشرائطها ; والظاهر يكفي في مثل ذلك فلا يقال إن الهبة تصح بلا نية بل لو صدق الموهوب له على ذلك لا تصح .

                فتأمل .

                ثم إن المؤلف ذكر في البحر كما هنا أيضا حيث قال فيه : أطلقها ، أي الهبة ، فشمل ما إذا كان على وجه المزاح فإن الهبة صحيحة كذا في الخلاصة ، واعترض العلامة المقدسي في كتابه الرمز شرح نظم الكنز ، فقال : ليس في الخلاصة ما يفيد دعواه إلخ .

                إنما يفيد أنه إن طلب الهبة مزحا لا جدا فوهبه جدا وسلمه صحت الهبة .

                لأن الواهب غير مازح ، وقد قبل الموهوب له قبولا صحيحا .

                وقد وقع للمؤلف مثل هذا في كتاب الأشباه .

                وأزلنا هذا الاشتباه في حاشيته .

                لكن في الخانية ما يؤيد ما فهمه المؤلف فإنه ذكر حكاية الشيخ ابن المبارك ، لما مر بقوم يضربون الطنبور ، فوقف عليهم وقال هبوه مني حتى تروا كيف أضرب فدفعوه إليه فضربه على الأرض وكسره وقال : أرأيتم كيف أضرب ؟ قالوا : أيها الشيخ خدعتنا .

                وإنما قال ذلك [ ص: 81 ] احترازا عن قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله في كسر الملاهي ، أنه يوجب الضمان وهذا دليل ما مر أن هبة المازح جائزة ( انتهى ) .

                قيل وفيه بحث إذ لا دليل على أنهم مزحوا بالهبة بل ظاهر طلبه الهبة الجدية فأجابوه بها .

                غايته أنه وعدهم أن يضرب وأراد الكسر وأفهمهم أنه أراد مثل ضربهم فلما وهبوه وملك تصرف بما أراد من ضربها على الأرض وهو إمام جليل القدر في الزهد والعلم ، له في ذلك مؤلفات ما يظن به الاكتفاء بالمزاح والله تعالى أعلم .

                ويدل على ما قلنا من أن الهبة جدية قول صاحب الخزانة فيها : جازت الهبة لاستجماع الشرائط .

                وقيل يحتمل أن دليل الهبة المقام هي هبة الملاهي للمشهور بالعلم والزهد كما ذكرت غير مناسبة فالظاهر أنه كان مزحا ونقله عن الخزانة لا يدل على المدعي إذ المراد بالشرائط التكليف ( 105 )

                قوله : وإنما هو لفقد شرطها .

                قيل : فيه أن الهبة مع الهزل تصح ورضي معه بدليل تعليل عدم صحة البيع مع الهزل بعدم الرضى معه وهذا تدافع




                الخدمات العلمية