الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وكذلك إذا نكح محارمه أو الخامسة أو أخت امرأته فوطئها - لا حد عليه عند أبي حنيفة وإن علم بالحرمة ، وعليه التعزير ، وعندهما والشافعي - رحمهم الله تعالى - عليه الحد ، والأصل عند أبي حنيفة عليه الرحمة أن النكاح إذا وجد من الأهل مضافا إلى محل قابل لمقاصد النكاح - يمنع وجوب الحد ، سواء كان حلالا أو حراما ، وسواء كان التحريم مختلفا فيه أو مجمعا عليه ، وسواء ظن الحل فادعى الاشتباه أو علم بالحرمة ، والأصل عندهما أن النكاح إذا كان محرما على التأبيد أو كان تحريمه مجمعا عليه يجب الحد ، وإن لم يكن محرما على التأبيد أو كان تحريمه مختلفا فيه لا يجب عليه .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهم أن هذا نكاح أضيف إلى غير محله فيلغو ، ودليل عدم المحلية أن محل النكاح هي المرأة المحللة ; لقوله سبحانه وتعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } والمحارم محرمات على التأبيد ; لقول الله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } الآية إلا أنه إذا ادعى الاشتباه ، وقال : ظننت أنها تحل .

                                                                                                                                لي سقط الحد ; لأنه ظن أن صيغة لفظ النكاح من الأهل في المحل دليل الحل فاعتبر هذا الظن في حقه ، وإن لم يكن معتبرا حقيقة إسقاطا لما يدرأ بالشبهات ، وإذا لم يدع خلا الوطء عن الشبهة فيجب الحد .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة - رحمه الله - أن لفظ النكاح صدر من أهله مضافا إلى محله فيمنع وجوب الحد ، كالنكاح بغير شهود ، ونكاح [ ص: 36 ] المتعة ونحو ذلك ، ولا شك في وجود لفظ النكاح والأهلية ، والدليل على المحلية - أن محل النكاح هو الأنثى من بنات سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام - النصوص والمعقول ، أما النصوص ، فقوله سبحانه وتعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ، وقوله سبحانه وتعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها } ، وقوله سبحانه وتعالى { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى } جعل الله سبحانه وتعالى النساء على العموم والإطلاق محل النكاح والزوجية .

                                                                                                                                وأما المعقول ; فلأن الأنثى من بنات سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام محل صالح لمقاصد النكاح من السكنى والولد والتحصين وغيرها ، فكانت محلا لحكم النكاح ; لأن حكم التصرف وسيلة إلى ما هو المقصود من التصرف ، فلو لم يجعل محل المقصود محل الوسيلة لم يثبت معنى التوسل ، إلا أن الشرع أخرجها من أن تكون محلا للنكاح شرعا مع قيام المحلية حقيقة ، فقيام صورة العقد والمحلية يورث شبهة ، إذ الشبهة اسم لما يشبه الثابت وليس بثابت ، أو نقول : وجد ركن النكاح والأهلية والمحلية على ما بينا ، إلا أنه فات شرط الصحة فكان نكاحا فاسدا ، والوطء في النكاح الفاسد لا يكون زنا بالإجماع ، وعلى هذا ينبغي أن يعلل فيقال : هذا الوطء ليس بزنا .

                                                                                                                                فلا يوجب حد الزنا قياسا على النكاح بغير شهود وسائر الأنكحة الفاسدة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية